قال ابن الخطيب : وفي الآية دليلٌ على أن الله - تعالى - يعلم الأشياء قبل وقوعها خلافاً ل « هشام بن الحكم ».
قوله تعالى :﴿ لِّكَيْلاَ ﴾. هذه « اللام » متعلقة بقوله « ما أصَابَ »، أي : أخبرناكم بذلك لكيلا يحصل لكم الحزن المقنط والمفرح المطغي فأما ما دون ذلك فالإنسان غير مؤاخذ به، و « كي » هنا ناصبة بنفسها، فهي مصدرية فقط لدخول لام الجر عليها.
وقرأ أبو عمرو :« بما أتاكم » مقصوراً من الإتيان، أي : بما جاءكم.
قال أبو علي الفارسي : لأن « أتاكم » معادل لقوله « فَاتَكُم »، فكما أنَّ الفعل للفائت في قوله :« فاتكم »، فكذلك الفعل الثاني في قوله :« بما أتاكم ».
وقرأ باقي السبعة :« آتاكم » ممدوداً من « الإيتاء »، أي : بما أعطاكم الله إياه.
والعائد إلى الموصول في الكلمتين في الذكر المرفوع بأنه فاعل، و « الهاء » محذوفة من الصِّلة، أي : بما آتاكموه.
وقرأ عبد الله :« بما أوتيتم ».

فصل في أن حزن المؤمن صبر وفرحه شكر


قال ابن عبَّاس : ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً وغنيمته شكراً، والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدّى فيهما إلى ما لا يجوز.
وقال جعفر بن محمد : يا ابن آدم ما لك تأسف على مقدر لا يردّه عليك الفَوْت، وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت.
وقيل ل « بزرجمهر » : أيها الحكيم، ما لك لا تحزن على ما فات، ولا تفرح بما هو آتٍ؟ قال : لأن الفائت لا يتلافى بالعبرةِ، والآتي لا يستدام بالحَبْرةِ.
وقوله :﴿ والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ أي : متكبر بما أوتي من الدنيا.
« فخور » به على النَّاس، قيل : الفخور الذي ينظر الناس بعين الاحتقار.

فصل فيمن قالوا بالإرادة والجبر


قال ابن الخطيب : المعتزلة وإن نازعوا في القدرة والإرادة، فهم مسلمون في العلم والجبر، فيلزمهم الجبر باعتبارهما.
والفلاسفة مذهبهم الجَبْر؛ لأن سبب الحوادث عندهم الاتصالات الفلكية.
والقدرية قالوا : بأن الحوادث اتفاقية، فجميع فرق العقلاء يلزمهم الجبر، سواء أقروا به أو أنكروه.

فصل في إرادة العبد الحزن والفرح


قالت المعتزلة : قوله :﴿ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ ﴾ يدل على أنه إنما أخبرهم بكتبها ليحترزوا عن الحزن والفرح، ولولا قدرتهم عليه لم يكن لذلك فائدة، ويدل على أنه لا يريد أن يقع منهم الفرح والحزن، وهو خلاف قول المجبرة؛ لأنه قال :﴿ والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ والمحبة هي الإرادة.
وأجيبوا بأن المحبة هي إرادة خاصة وهي إرادة الثواب، ولا يلزم من نفيها نفي الإرادة.


الصفحة التالية
Icon