قوله :﴿ الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل ﴾. تقدم نظيره في سورة « النساء ».
قال القرطبي :« الذين » في موضع خفض نعتاً للمختال.
وقال ابن الخطيب : بدل من قوله :« كل مُخْتَال ».
وقيل : رفع بالابتداء، فهو كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله.
والمعنى : الذين يبخلون فالله غني عنهم.
قيل : أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد ﷺ في كتبهم لئلا يؤمن به النَّاس، فتذهب مأكلتهم.
قاله السُّدي والكلبي.
فيكون « الذين » مبتدأ، وخبره محذوف يدلّ عليه قوله تعالى :﴿ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد ﴾.
وقال سعيد بن جبير :« الذين يَبْخَلُون » يعني بالعلم ﴿ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل ﴾ بألاَّ يعلموا الناس شيئاً.
وقال زيد بن أسلم : إنه البُخْل بأداء حق الله تعالى.
وقال عبد الله بن عامر الأشعري : هو البخل بالصدقة والحقوق.
وقال طاوس : وهو البُخْل بما في يديه.
فصل في قراءات البخل
« بالبخل ». قرأ العامة :« بالبُخْل » بضم الباء وسكون الخاء.
وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وابن محيصن وحمزة والكسائي « بالبَخَل » بفتحتين، وهي لغة الأنصار.
وقرأ أبو العالية وابن السَّميفع :« بالبَخْل » بفتح الباء وإسكان الخاء.
وعن نصر بن عاصم :« البُخُل » - بضمتين - وكلها لغات مشهورة.
وقال قوم : الفرق بين البخل والسخاء من وجهين :
أحدهما : أن البخيل الذي لا يعطي عند السؤال، والسَّخي الذي يعطي بغير سؤال.
وتقدم الفرق بين البُخْل والشُّحِّ في آخر آل عمران.
قوله :﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ أي : عن الإيمان ﴿ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد ﴾.
قرأ نافع وابن عامر :﴿ فإن الله الغني الحميد ﴾ بإسقاط « هو »، وهو ساقط في مصاحف « المدينة » و « الشام »، والباقون : بإثباته، وهو ثابت في مصاحفهم، فقد وافق كل مصحفه.
قال أبو علي الفارسي : من أثبت « هو » يحسن أن يكون فصلاً، ولا يحسن أن يكون ابتداء؛ لأن الابتداء لا يسوغ حذفه.
يعني أنه رجح فصليّته بحذفه في القراءة الأخرى، إذ لو كان مبتدأ لضعف حذفه لا سيما إذا صلح ما بعده أن يكون خبراً لما قبله.
ألا ترى أنك لو قلت : إن زيداً هو القائم يحسن حذف « هو » لصلاحية « القائم » خبراً، وهذا كما قالوا في الصلة : إنه يحذف العائد المرفوع بالابتداء بشروط :
منها : ألاَّ يكون ما بعده صالحاً للصِّلة نحو :« جاء الذي هو في الدَّار، وهو قائم أبوه » لعدم الدلالة.
إلا أن للمنازع أن ينازع أبا عليٍّ ويقول : لا ألتزم تركيب إحدى القراءتين على الأخرى، وكم من قراءتين تغاير معناهما، كقراءتي :﴿ والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾