قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر ﴾ المراد بآله خواصُّه، والنُّذُر مُوسَى وهَارُونُ. ولقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين. وقيل : المراد بآل فرعون القِبط.
فإن قيل : ما الفائدة في قوله :« آلَ فِرْعَوْنَ » بدل « قَوْمِ فِرَعوْنَ »؟
فالجواب : أن القوم أعم من الآل فالقوم كل من يقوم الرئيس بأمرهم، أو يقومون هم بأمره وقوم فرعون : كانوا تحت قهره بحيث لا يخالفونه في قليل ولا كثير، فأرسل إليه الرسول وحده غير أنه كان عنده جماعة من المقربين مثل قَارُون. مقدم عنده لمالِهِ العَظِيم، وهَامَان لِدَهَائِهِ، فاعتبرهم الله في الإرسال، حيث قال في مواضع :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾ [ الزخرف : ٤٦ ] وقال :﴿ إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ ﴾ [ غافر : ٢٤ ] وقال في العنكبوت :﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُم موسى ﴾ [ العنكبوت : ٣٩ ] لأنهم إن آمنوا آمن الكل، بخلاف الأقوام الذين كانوا قبلهم وبعدهم، فقال :﴿ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر ﴾ وقال :﴿ أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
فإن قيل : كيف قال :« ولقد جاءهم » ولم يقل في غيره : جاء؟
فالجواب : لأن موسى - ﷺ - لما جاءهم كان غائباً عن القوم فقدم عليهم، كما قال :﴿ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون ﴾ [ الحجر : ٦١ ]، وقال تعالى :﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] حقيقة أيضاً، لأنه جاءهم من الله من السموات بعد المعراج، كما جاء موسى قومه من الطور حقيقة.
والنذر : الرسل وقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى. وقيل : النذر الإنذاراتُ.
قوله :« كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا » فيه وجهان :
أحدهما : أن الكلام تمّ عند قوله :﴿ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر ﴾ وقوله :« كَذَّبُوا » كلام مستأنف، والضمير عائد إلى كل مَنْ تقدم ذكرهم من قوم نوح إلى آل فرعون.
والثاني : أن الحكاية مسوقةٌ على سياق ما تقدم فكأنه قيل : فَكَيْفَ كَانَ؟ فقال : كذبوا بآياتنا كلها فَأَخَذْنَاهُمْ.
فعلى الوجه الأولى آياتنا كلها ظاهر، وعلى الثاني المراد بالآيات التي كانت مع موسى - ﷺ - كالعصا، واليد، والسِّنِينَ، والطمسِ، والجرادِ، والطوفانِ، والجرادِ، والقُمَّلِ، والضفادعِ والدَّمِ.
قوله :﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ ﴾ هذا مصدر مضاف لِفاعله، والمعنى أخَذْنَاهُمْ بالعذاب أخَذْ عَزِيزٍ غالب في انتقامه ( مُقْتَدِرٍ ) قادرٍ على إهلاكهم، لا يُعْجِزُه مَا أرَادَ.
ثم خوف أهل مكة فقال :﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ ﴾ أي أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نِقْمَتي من قوم نوح وعاد وثمود، وقم لوط. وهذا استفهام بمعنى الإنكار، أي ليسوا بأقوى منهم، فمعناه نفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم.
وقوله :« خَيْرٌ » مع أنه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان :



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٤٦١٠-.......................... فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ