الثالث : أن يراد بما قالوا ما حرَّموه على أنفسهم بلفظ الظِّهار تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكر في قوله تعالى :﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ [ مريم : ٨٠ ]، والمعنى : ثم يريد العود للتَّماسِّ. قاله الزمخشري.
وهذا الثالث هو معنى ما روي عن مالك، والحسن، والزهري : ثم يعودون للوطءِ، أي : يعودون لما قالوا : إنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهر ثُمَّ وطىء لزمتِ الكفَّارة عند هؤلاء.
الرابع :« لما قالوا »، أي : يقولونه ثانياً، فلو قال : أنت عليَّ كظهرِ أمي مرّة واحدة لم يلزمه كفارة؛ لأنه لم يَعُدْ لما قال، وهذا منقول عن بكير بن عبد الله الأشجّ، وأبي حنيفة، وأبي العالية، والفراء في آخرين، وهو مذهب أهل الظَّاهر.
قال ابن العربي : وهذا القول باطل قطعاً؛ لأن قصص المتظاهرين قد رويت، وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم، والمعنى أيضاً بنقضه؛ لأن الله - تعالى - وصفه بأنه مُنْكَر من القول وزور، فكيف يقال : إذا أعدت القول المحرّم، والسَّبب المحظور وجبت عليك الكفَّارة، وهذا لا يعقل ألا ترى أنَّ كل سبب يوجب الكفَّارة لا يشترط فيه الإعادة من قتلٍ ووطءٍ في صوم؟.
الخامس : أن المعنى أن يعزم على إمساكها فلا يطلقها بعد الظِّهار حتى يمضي زمن يمكن أن يطلقها فيه، فهذا هو العودُ لما قال، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة أيضاً.
وقال : العود هنا ليس بتكرير القول، بل بمعنى العزم على الوطء.
قال القرطبي : وهذا ينتقض بثلاثة أمور :
أحدها : أنه قال :« ثُمَّ » وهي للتراخي.
الثاني : قوله :« ثم يعُودُون » يقتضي وجود فعل من جهته، ومرور الزمان ليس بفعل منه.
الثالث : أن الطلاق الرَّجْعِي لا ينافي البقاء على الملك، فلم يسقط حكم الظِّهار كالإيلاء.
وقال مكي :« واللام متعلقة ب » يَعُودُون « أي : يعودون لوطءِ المقول فيه الظهار، وهن الأزواج ف » ما « والفعل مصدر، أي : لقولهم، والمصدر في موضع المفعول به، نحو :» هذا دِرْهم ضرب الأمير « أي : مضروبه، فيصير المعنى، كقولهم للمقول فيه الظِّهار، أي : لوطئه ».
وهذا معنى قول الزمخشري في الوجه الثالث الذي تقدم تقريره عن الحسن، والزهري، ومالك إلاَّ أن مكيًّا قيد ذلك بكون « ما » مصدرية حتى يقع المصدر المؤول موضع اسم المفعول، وفيه نظر؛ إذ يجوز ذلك وإن كانت « ما » غير مصدرية لكونها بمعنى « الذي » ونكرة موصوفة، بل جعلها غير مصدرية أولى؛ لأن المصدر المؤول فرع المصدر الصريح، إذ الصريح أصل للمؤول به، ووضع المصدر موضع اسم المفعول خلاف الأصل، فيلزم الخروج عن الأصل بشيئين : بالمصدر المؤول، ثم وقوعه موقع اسم المفعول، والمحفوظ من لسانهم إنما هو وضع المصدر الصَّريح موضع المفعول لا المصدر المؤول فاعرفه.


الصفحة التالية
Icon