لا يقال : إن جعلها غير مصدرية يحوجُ إلى تقدير حذف مضاف ليصحّ المعنى، أي : يعودون لوطء الذي ظاهر منها، أو امرأة ظاهر منها، أو يعودون لإمساكها.
والأصل : عدم الحذف؛ لأن هذا مشترك الإلزام لنا ولكم، فإنكم تقولون أيضاً : لا بد من تقدير مضاف، أي : يعودون لوطء أو لإمساك المقول فيه الظهار، ويدل على جواز كون « ما » في هذا الوجه غير مصدرية ما أشار إليه أبو البقاء، فإنه قال : يتعلق ب « يعودون » بمعنى يعودون للقول فيه، هذا إن جعلت « ما » مصدرية، ويجوز أن تجعلها بمعنى « الذي » ونكرة موصوفة.
الثاني : أن « اللام » تتعلق ب « تحرير »، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير : والذين يُظَاهرون من نسائهم فعليهم تحرير رقبة لما نطقوا به من الظِّهار، ثم يعودون للوطء بعد ذلك. وهذ ما نقله مكي وغيره عن الأخفش.
قال أبو حيَّان :« وليس بشيء؛ لأنه يفسد نظم الآية ».
وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم فساد النظم مع دلالة المعنى على التقديم والتأخير، ولكن نسلم أن ادِّعاء التقديم والتأخير لا حاجة إليه؛ لأنه خلاف الأصل.
الثالث : أن « اللام » بمعنى « إلى »، و « اللام » و « إلى » يتعاقبان، قال تعالى :﴿ هَدَانَا لهذا ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ]، وقال :﴿ فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم ﴾ [ الصافات : ٢٣ ] وقال :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا ﴾ [ الزلزلة : ٥ ] وقال :﴿ وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ ﴾ [ هود : ٣٦ ] قاله الأخفش.
الرابع : أنها بمعنى « في »، نقلها أبو البقاء، ومع ذلك فهي متعلقة ب « يعودون ».
الخامس : أنها متعلقة ب « يقولون ».
[ قال مكي : وقال قتادة : ثم يعودون لما قالوا من التحريم فيحلونه، فاللام على هذا تتعلق ب « يقولون » ].
قال شهاب الدين :« ولا أدري ما هذا الذي قاله مكي، وكيف فهم تعلقها ب » يقولون « على تفسير قتادة، بل تفسير قتادة نص في تعلقها ب » يعودون «، وليس لتعلقها ب » يقولون « وجه ».
ونقل القرطبي عن الفرَّاء قال : اللام بمعنى « عن » والمعنى : ثم يرجعون عما قالوا، ويريدون الوطء.
وقال أبو مسلم : العود هو أن يحلف أولاً على ما قال من لفظ الظهار، فلو لم يَحْلف لم تلزمه كفارة كما لو قال في المأكول : هو عليَّ حرام كَلَحْمِ الآدمي فلا كفَّارة عليه، فإذا حلف عليه لزمته كفارة يمين.
وهذا ضعيف؛ لأن الكفَّارة قد تجب بالجماعِ في الحجّ، وفي رمضان، وفي قتل الخطأ، ولا يمين هناك.
قوله :﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ أي : فعلية إعتاق رقبةٍ، يقال : حرَّرته، أي : جعلته حرًّا، ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سالمة من كل عيب، ومن كمالها إسلامها كالرَّقبة في كفَّارة القتل، فإذا أعتق نصفي عبدين لم يجزه.


الصفحة التالية
Icon