الثاني :« أدنى » مبتدأ، و ﴿ إلاَّ هو معهم ﴾ خبره، فيكون « ولا أكثر » عطفاً على المبتدأ، وحينئذ يكون « ولا أدنى » من باب عطف الجمل لا المفردات.
وقرأ الحسن ويعقوب أيضاً ومجاهد والخليل :« ولا أكبر » بالباء الموحدة والرفع على ما تقدم.
وزيد بن علي :« ينبيهم » - بسكون النون - من أنبأ إلاَّ أنه حذف الهمزة وكسر الهاء.
وقرىء كذلك إلا أنه بإثبات الهمزة وضم الهاء، والعامة بالتشديد من « نبأ ».
فصل في النجوى
« النَّجْوَى » : التناجي، وهو السرار وهو مصدر يوصف به، يقال : قوم نجوى، وذوو نجوى.
قال تعالى :﴿ وَإِذْ هُمْ نجوى ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ].
قال الزجاج :« النجوى » مشتقة من النجوة وهي ما ارتفع وتنجى، فالكلام المذكور سرًّا، لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير، والسرار ما كان بين اثنين.
قوله :﴿ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ ﴾ أي : يعلم، ويسمع نجواهم بدليل افتتاح الآية بالعلم.
فإن قلت : ما الحكمة في ذكره - سبحانه وتعالى - الثلاثة والخمسة، وأهمل الأربعة؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن ذلك إشارة إلى كمال الرحمة؛ لأن الثلاثة إذا اجتمعوا، فإذا تناجى اثنان منهم بقي الثالث ضائعاً وحيداً، فيضيق عليه، ولهذا قال النبي ﷺ :« إذَا كُنْتُمْ ثلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَان دُونَ الثَّالثِ إلاَّ بإذْنِهِ فإنَّ ذلِكَ يُحْزنهُ ».
فكأنه - تعالى - يقول : أنا جليسك وأنيسك، وكذا الخمسة إذا اجتمعوا بقي الخامس وحيداً فريداً.
الثاني : أن العدد الفرد أشرف من الزوج؛ لأن الله - تبارك وتعالى - وتر يحب الوتر، فخص أعداد الفرد بالذكر تنبيهاً على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور.
الثالث : أن أقل ما لا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة حتى يكون الاثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات، والثالث كالحاكم بينهما، فحينئذ تكمل المشورة، ويتم ذلك الغرض، فلهذا السبب لا بد وأن يكون أرباب المشورة عددهم فرداً، فذكر الله - تعالى - الفردين الأولين، واكتفى بذكرهما تنبيهاً على الباقي.
الرابع : أن الآية نزلت في قوم منافقين اجتمعوا على التناجي، وكانوا على هذين العددين.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في ربيعة، وحبيب بن أبي عمرو، وصفوان بن أمية كانوا يتحدّثون، فقال أحدهم : هل يعلم الله ما نقول؟ وقال الثالث : يعلم البعض.
الخامس : أنه في مصحف عبد الله بن مسعود :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلاَّ الله رابعهم، ولا أربعة إلا الله خامسهم، ولا خمسة إلا الله سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم إذا أخذوا في التناجي ﴾.