قوله تعالى :﴿ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس ﴾.
قرأ الحسن، وداود بن أبي هند، وعيسى، وقتادة :« تَفَاسحُوا »، والباقون :« تَفَسَّحوا » أي : توسعوا والفُسْحة : السَّعة، وفسح له : أي وسع له، ومنه قولهم :« بلد فسيحٌ » ولك في كذا فسحة، وفسح يَفْسَحُ، مثل :« مَنَعَ يَمْنَعُ » أي : وسع في المجلس، و « فَسُحَ يَفْسُحُ فَسَاحَةً » مثل :« كَرُمَ يَكْرُمُ كرامة » أي : صار واسعاً، ومنه مكان فسيح.
وقرأ عاصم :« في المجالس » جمعاً اعتباراً بأن لكلّ واحد منهم مجلساً.
والباقون : بالإفراد إذ المراد مجلس الرسول ﷺ وهو أحسن من كونه واحداً أريد به الجمع، وقرىء :« في المَجْلَس » - بفتح اللام - وهو المصدر، أي : تفسحوا في جلوسكم، ولا تتضايقوا.
فصل في أن الآية عامة في كل مجلس خير
قال القرطبي : الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير، والأجر، سواء كان مجلس حَرْب أو ذكر، أو مجلس يوم الجمعة، وإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه.
قال رسول الله ﷺ :« مَنْ سَبَقَ إلى مَا سَبَقَ إليْهِ فَهُوَ أحقُّ بِهِ ولكِنْ يُوسِّعُ لأخيهِ ما لم يتأذَّى بذلكَ فيُخْرجهُ الضَّيْقُ من موضعه ».
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قال :« لا يُقِيمُ الرَّجلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيْه ».
وعن النبي ﷺ أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه، ويجلس فيه آخر، ولكن تفسّحوا وتوسّعوا.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره أن يقيم الرجل من مجلسه، ثم يجلس مكانه.
وروى أبو هريرة عن جابر - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ قال :« لا يُقِيمنَّ أحَدُكُمْ أخَاهُ يَوْمَ الجُمعَةِ ثُمَّ يُخَالفُ إلى مَقْعَدهِ، فَيقْعُدَ فِيْهِ، ولكِنْ يقُولُ : أفسحوا ».
فصل
إذا قام من مكانه، فقعد غيرهُ نظرنا، فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الأول في سماع كلام الإمام، لم يكره له ذلك، وإن كان أبعد من الإمام كره له ذلك؛ لأن فيه تفويت حظه.
فصل
إذا أمر رجل إنساناً أن يبكر إلى الجامع، فيأخذ له مكاناً يقعد فيه لا يكره، فإذا جاء الآمر يقوم من الموضع؛ لأن ابن سيرينَ كان يرسل غلامه إلى مجلس له في يوم الجمعة، فيجلس فيه، فإذا جاء قام له منه، وعلى هذا من أرسل بساطاً أو سجَّادة، فيبسط له في موضع من المسجد أنه لا يزعج منه.