وقال ابن عمر : لقد كانت لعلي - رضي الله عنه - ثلاثة، لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليَّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة - رضي الله عنها - وإعطاؤه الرَّاية يوم « خيبر »، وآية النجوى.
﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ من إمساكها، « وأطْهَرُ » لقلوبكم من المعاصي ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ ﴾ يعني : الفقراء ﴿ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :« لما نزلت ﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾ سألت النبي ﷺ فقال النبي ﷺ :» مَا ترى دِيْنَاراً؟ « قلت : لا يطيقونه، قال :» نِصْف دِيْنَارٍ «، قلت : لا يطيقونه، قال :» فَكَمْ «؟ قلت : شعيرة، قال :» إنَّك لزَهِيدٌ « فنزلت ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ ﴾ الآية ».
ومعنى قوله :« شعيرة » من ذهب، ومعنى قوله ﷺ :« إنَّك لزَهِيْدٌ » أي : لقليل المال فقدّرت على حسب حالك.
قال ابن العربي :« وهذا يدلّ على نسخ العبادة قبل فعلها، وعلى النَّظر في المقدّرات بالقياس ».
قال القرطبي :« والظَّاهر أنَّ النسخ إنما وقع بعد فعل الصَّدقة كما تقدم ».
فصل فيمن استدل بالآية على عدم وقوع النسخ
أنكر أبو مسلم وقوع النسخ، وقال : إنَّ المنافقين كانوا يمتنعون عن بذل الصدقات، وإن قوماً من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهراً وباطناً إيماناً حقيقيًّا، فأراد الله أن يميزهم عن المنافقين، فأمر بتقديم الصَّدقة على النَّجْوَى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا على من بقي على نفاقه الأصلي، فلما كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت.
قال ابن الخطيب : وحاصل قول أبي مسلم : أن ذلك التكليف مقدر بغاية مخصوصة، ووجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى تلك الغاية المخصوصة، ولا يكون هذا نسخاً، وهذا كلام حسن، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ ﴾.
وقيل : منسوخ بوجوب الزكاة.
قوله تعالى :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ﴾.
هذا استفهام معناه التقرير.
قال ابن عباس رضي الله عنهما :« أأشفقتم » أي : أبخلتم بالصدقة.
وقيل : خفتم.
و « الإشفاق » : الخوف من المكروه، أي : خفتم بالصدقة، وشقّ عليكم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات.
قوله تعالى :﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾. في « إذ » هذه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها على بابها من المعنى : أنكم تركتم ذلك فيما مضى، فتداركوه بإقامة الصَّلاة. قاله أبو البقاء.
الثاني : أنها بمعنى « إذا » كقوله تعالى :