﴿ إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ ﴾ [ غافر : ٧١ ] وتقدم الكلام فيه.
الثالث : أنها بمعنى « إن » الشرطية، وهو قريب مما قبله؛ إلا أن الفرق بين « إن »، و « إذا » معروف.
فصل في معنى الآية
المعنى : فإن لم تفعلوا ما أمرتم به، ﴿ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ أي : ونسخ الله ذلك الحكم، ورخص بكم في ألاَّ تفرطوا في الصَّلاة والزكاة، وسائر الطاعات، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به، وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل.
قال القرطبي : وما روي عن علي - رضي الله عنه - ضعيف؛ لأن الله - تعالى - قال :﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾ وهذا يدلّ على أن أحداً لم يتصدق بشيء.
فصل في أنَّ الآية لا تدل على تقصير المؤمنين
فإن قيل : ظاهر الآية يدل على تقصير المؤمنين في ذلك التكليف، وبيانه من وجوه :
الأول : قوله تعالى :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ ﴾ يدل على تقصيرهم.
الثاني : قوله تعالى :﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾.
الثالث : قوله تعالى :﴿ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ ﴾.
فالجواب : قال ابن الخطيب : ليس الأمر كما قلتم؛ لأن القوم لم يكلفوا بأن يقدموا على الصَّدقة، ويشتغلوا بالمناجاة، بل أمروا أنهم لو أرادوا المناجاة، فلا بد من تقديم الصَّدقة فمن ترك المناجاة، فلا يمكن أن يكون مقصراً، فأما لو قيل بأنهم ناجوا من غير تقديم الصدقة، فهذا أيضاً غير جائز؛ لأن المناجاة لا تمكن إلا إذا مكن الرسول ﷺ من المناجاة فإذا لم يمكنهم من ذلك لم يقدروا على المناجاة، فعلمنا أن الآية لا تدل على صدور التقصير منهم.
فأما قوله تعالى :﴿ أَأَشْفَقْتُمْ ﴾ فلا يمنع من أنه - تعالى - علم ضيق صدور كثير منهم عن إعطاء الصدقة في المستقبل لو دام الوجوب. فقال هذا القول.
وأما قوله تعالى :﴿ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ ﴾ فليس في الآية أنه تاب عليهم من هذا التقصير، بل يحتمل أنكم إن كنتم تائبين راجعين إلى الله تعالى، وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، فقد [ كفاكم ] هذا التَّكليف.
قوله تعالى ﴿ والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
روي عن أبي عمرو :﴿ خبير بِمَا يعْملُونَ ﴾ بالياء من تحت، والمشهور عنه كالجماعة بتاء الخطاب.
والمعنى : يحيط بأعمالكم ونيَّاتكم.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم ﴾.
قال قتادة : هم المنافقون تولّوا اليهود.
وقال السدي ومقاتل : هم اليهود. ﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾ يعني : المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاء، ولا من اليهود والكافرين، كما قال جل ذكره :﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء ﴾ [ النساء : ١٤٣ ].
﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
قال السدي ومقاتل رضي الله عنهما :« نزلت في عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وعبد الله بن نبتل المنافقين، كان أحدهما يجالس رسول الله ﷺ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله ﷺ في حُجْرة من حُجَره، إذ قال :» يَدْخُلُ الآنَ عَليْكُم رجُلٌ قلبهُ قَلْبُ جبَّارٍ، وينْظرُ بِعَيْني شَيْطانٍ «، فدخل عبد الله بن نبتل، وكان أزرق، أسمر قصيراً، خفيف اللحية، فقال له النبي ﷺ :» علاَمَ تَشْتُمنِي أنْتَ وأصْحَابُكَ «؟ فحلف بالله ما فعل، وجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما شتموه، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية »