ونظيره :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧١ - ١٧٣ ].
قوله :﴿ ورسلي ﴾.
قرأ نافع وابن عامر بفتح « الياء ».
والباقون : لا يحركون.
قال أبو علي :« التَّحريك والإسكان جميعاً حسنان ».
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ قوي على نُصْرة أنبيائه « عَزِيزٌ » غالب لا يدفعه أحد عن مُرَاده.
قوله تعالى :﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ ﴾.
« يوادُّون » هو المفعول الثاني ل « تَجِدُ »، ويجوز أن تكون المتعدية لواحد بمعنى « صادق ولقي »، فيكون « يوادّون » حالاً، أو صفة ل « قوماً ».
ومعنى « يوادُّون » أي : يحبون ويوالون ﴿ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ ﴾. وقد تقدم الكلام على المُحَادّة.
والمعنى : أنه لا يجتمع الإيمان مع ودادةِ أعداء الله.

فصل في المراد بهذه الموادّة


فإن قيل : أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة؟.
فالجواب أن الموادّة المحرمة هي إرادة منافعه ديناً ودُنْيا مع كونه كافراً، فأما سوى ذلك فلا حَظْر فيه.
قوله تعالى :« ولو كانوا » هذه « واو » الحال.
وقدّم أولاً الآباء؛ لأنهم تجب طاعتهم على أبنائهم، ثم ثنَّى بالأبناء؛ لأنهم أعلقُ بالقلوب وهم حياتها، قال الحماسي في معنى ذلك، رحمة الله عليه رحمة واسعة :[ السريع ]
٤٧٣٣- وإنَّمَا أوْلادُنَا بَيْنَنَا أكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأرْضِ
ثم ثلَّث بالإخوان؛ لأنهم هم الناصرون بمنزلة العضُد من الذِّراع.
قال رحمه الله :[ الطويل ]
٤٧٣٧- أخَاكَ أخَاكَ إنَّ مَنْ لا أخَا لَهُ كَسَاعٍ إلى الهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاحِ
وإنَّ ابْنَ عَمِّ المَرْءِ - فَاعْلمْ - جَنَاحُهُ وهَلْ يَنْهَضُ البَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِ
ثم ربع بالعشيرة؛ لأن بها يستعان وعليها يعتمد.
قال بعضهم، رحمة الله عليه :[ البسيط ]
٤٧٣٤- لا يَسْألُونَ أخَاهُمْ حِيْنَ يَنْدُبُهُمْ في النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا
وقرأ أبو رجاء :« عَشِيْراتهم »، بالجمع، كما قرأها أبو بكر في « التوبة » كذلك.

فصل في مناسبة الآية


لما بالغ في المنع من هذه الموادة في الآية الأولى من حيث أن الموادة مع الإيمان لا يجتمعان، بالغ هاهنا أيضاً من وجوه، وهي قوله تعالى :﴿ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ والمعنى : أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع المحبة، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مطرحاً بسبب الدين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم « أحد »، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم « بدر »، وأبي بكر - رضي الله عنه - قال ابن جريح :


الصفحة التالية
Icon