« حدثت أن أبا قحافة سبَّ النبي ﷺ فصكّه أبو بكر - رضي الله عنه - صكَّة سقط منها على وجهه ثم أتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال :» أو فَعَلْتَهُ لا تَعُدْ إليْهِ «، فقال : والذي بعثك بالحق نبيًّا لو كان السيف منِّي قريباً لقتلته »، ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، وعلي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة - رضي الله عنهم - قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم « بدر » أخبر أن هؤلاء لم يوادُّوا أقاربهم وعشائرهم غضباً لله تعالى ودينه.
فصل في الاستدلال بالآية على معاداة القدرية
قال القرطبي : استدل مالك - رحمه الله - بهذه الآية على معاداة القدرية، وترك مجالستهم.
قال أشهب عن مالك : لا تجالسوا القدرية، وعادوهم في الله، لقول الله تعالى :﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ ﴾.
قال القرطبي : وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظُّلم والعدوان.
وعن الثوري - رضي الله عنه - أنه قال : كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان.
وعن عبد العزيز بن أبي رواد : أنه لقي المنصور في الطّواف فلما عرفه هرب منه، وتلا هذه الآية.
وعن النبي ﷺ أنه كان يقول :« اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ لفَاجِرِ عِنْدِي نِعْمَةً، فإنِّي وجَدْتُ فِيْمَا أوْحَيْتَ إليَّ :﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ﴾ » الآية
. قوله :﴿ أولئك كَتَبَ ﴾.
قرأ العامّة :« كَتَبَ » مبنيًّا للفاعل، وهو الله - سبحانه وتعالى - « الإيمان » نصباً، وأبو حيوة في رواية المفضل :« كُتِبَ » مبنيًّا للمفعول « الإيمان » رفع به.
والضمير في « منه » لله تعالى.
وقيل : يعود على « الإيمان »؛ لأنه روح يحيا به المؤمنون في الدارين. قاله السدي، أي : أيدهم بروح من الإيمان، يدل عليه قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ].
فصل في معنى كتب الإيمان
معنى « كتب الإيمان » أي : خلق في قلوبهم التصديق، يعني من لم يُوالِ من حاد الله.
وقيل :« كَتَبَ » : أثبت. قاله الربيع بن أنس.
وقيل : جعل كقوله تعالى :﴿ فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾ [ آل عمران : ٥٣ ] أي : اجعلنا، وقوله تعالى :﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ].
وقيل « كتب » أي : جمع، ومنه الكتيبة، أي : لم يكونوا ممن يقول : نؤمن ببعض، ونكفر ببعض.
وقيل :﴿ كتب في قلوبهم الإيمان ﴾ أي : على قلوبهم الإيمان، كقوله تعالى :﴿ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ].
وخص القلوب بالذكر، لأنها موضع الإيمان.