وذكروا أن تلك النَّار ترى بالليل، ولا ترى بالنهار.
قال ابن العربي : للحشر أول ووسط، وآخر.
فالأول : إجلاء بن النَّضير.
والأوسط : إجلاء خيبر.
والآخر : حَشْر يوم القيامة.
وعن الحسن : هم بنو قريظة، وخالفه بقية المفسرين، وقالوا : بنو قريظة ما حشروا، ولكنهم قتلوا حكاه الثعلبي.
فصل في نسخ مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم
قال إلكيا الطَّبري : ومُصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن، وإنما كان ذلك في دار الإسلام ثم نُسِخَ، والآن فلا بد من قتالهم، أو سبيهم، أو ضرب الجزية عليهم.
قوله تعالى :﴿ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ﴾ أي : لعظم أمر اليهود لعنهم الله ومنعتهم وقوتهم في صدور المسلمين واجتماع كلمتهم.
وقوله تعالى :﴿ وظنوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله ﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن المسلمين ظنوا أنهم لعزّتهم وقوّتهم لا يحتاجون إلى أن يخرجوا من ديارهم.
قيل : المراد بالحصون : الوطيح والنَّطاة والسُّلالم والكتيبة.
قوله :﴿ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون « حُصُونهم » مبتدأ، و « مَانِعتهم » خبر مقدم، والجملة خبر « أنهم ». لا يقال : لم لا يقال :« مَانعَتُهُم » مبتدأ، لأنه معرفة، و « حصونهم » خبره، ولا حاجة إلى تقديم ولا تأخير؟ لأن القصد الإخبار عن الحُصُون، ولأن الإضافة غير محضة فهي نكرة.
الثاني : أن تكون « مانعتهم » خبر « أنهم » و « حصونهم » فاعل به، نحو : إن زيداً قائم أبوه، وإن عمراً قائمة جاريته. وجعله أبو حيان أولى؛ لأن في نحو :« قائم زيد » على أن يكون خبراً مقدماً ومبتدأ مؤخراً، خلافاً، الكوفيون يمنعونه، فمحل الوفاق أولى.
قال الزمخشري :« فإن قلت : فأي فرق بين قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم، أو » مانعتهم «، وبين النظم الذي جاء عليه؟.
قلت : بتقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وُثُوقهم، ومنعها إياهم، وفي تغيير ضميرهم اسماً ل » أن «، وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض إليهم، وليس ذلك في قولك : حصونهم تمنعهم ». انتهى.
وهذا الذي ذكره إنَّما يتأتى على الإعراب الأول، وقد تقدم أنه مرجوح.
وتسلط الظن هنا على « أن » المشددة، والقاعدة أنه لا يعمل فيها ولا في المخففة منها إلا فعل « علم » وتعين إجراؤه مجرى اليقين لشدته وقوته، وأنه بمنزلة العلم.
وقوله :﴿ مِّنَ الله ﴾ أي : من أمره.
قوله تعالى :﴿ فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ﴾.
قال الزمخشري : قرىء « فأتاهم الهلاك » أي : أتاهم أمره وعذابه ﴿ من حيث لم يحتسبوا ﴾، أي : لم يظنوا، وقيل : من حيث لم يعلموا.