وقال ابن جريج والسدي وأبو صالح :« من حيث لم يحتسبوا : بقتل كعب بن الأشرف، وكانوا أهل خلعة وسلاح وقصور منيعة فلم يمنعهم شيء منها ».
وقيل : الضمير في « فأتاهم الله » يعود إلى المؤمنين، أي : فأتاهم نصرُ الله وتقويته [ لا ] يمنعهم شيء منها.
قوله :﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب ﴾ بقتل سيدهم كعب بن الأشرف، وكان الذي قتله محمد بن مسلمة، وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش - وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة - وخبره مشهور في السيرة.
قال أهل اللغة :« الرُّعْبُ » : الخوف الذي يرعب الصُّدور، أي : يملؤه، وقذفه : إثباته فيه، ومنه قالوا في صفة الأسد : مقذف، كأنه قذف اللحم قذفاً لاكتنازه وتداخل أجزائه.
وهذه الآية تدلّ على أن الأمور كلها من الله تعالى، لأن الآية دلّت على أن وقوع ذلك بالرُّعب صار سبباً في إقدامهم على بعض الأفعال، وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب، وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله تعالى، فكانت الأفعال بأسرها مستندة إلى الله - تعالى - بهذا الطريق.
قوله :﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً للإخبار به، وأن يكون حالاً من ضمير « قلوبهم »، وليس بذاك.
وقرأ أبو عمرو :« يُخَرِّبُونَ » بالتشديد، وباقيهم : بالتَّخفيف.
وهما بمعنى؛ لأن « خرَّب » عدَّاه أبو عمرو بالتضعيف، وهم بالهمزة.
وعن أبي عمرو : أنه فرق بمعنى آخر، فقال :« خرّب » - بالتشديد - هدم وأفسد، و « أخرب » - بالهمزة - ترك الموضع خراباً، وذهب عنه، وهو قول الفرَّاء.
قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجهاً.
و « يُخْرِبُونَ » من خرب المنزل وأخربه صاحبه، كقوله :« عَلِمَ وأعْلَمَ، وقَامَ وأقَامَ ».
وإذا قلت :« يخربون بيوتهم » من التخريب فإنما هو تكثير؛ لأن ذكر « بيوتاً » تصلح للتقليل والتكثير.
وزعم سيبويه أنهما يتعاقبان في بعض الكلام، فيجري كل واحد مجرى الآخر، نحو :« فرحته وأفرحته ».
قال الأعشى :[ المتقارب ]

٤٧٣٦-..................... وأخْرَبْتَ مِنْ أرْضِ قَوْمٍ دِيَارا
واختار الهذلي قراءة أبي عمرو لأجل التَّكثير.
ويجوز أن يكون « يخربون » تفسيراً للرُّعب فلا محلَّ له أيضاً.
قال أبو عمرو : وإنما اخترت التشديد؛ لأن الإخراب ترك الشيء خراباً بغير ساكن، وبنو النضير لم يتركوها خراباً، وإنما خرَّبوها بالهدم، ويؤيده قوله تعالى :﴿ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين ﴾.

فصل في تفسير الآية


قال قتادة والضحاك رحمهما الله تعالى : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم.
وقال مقاتل : إن المنافقين أرسلوا إليهم ألا يخرجوا وتدرّبوا على الأزِقَّة، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب.


الصفحة التالية
Icon