وقرأ عبد الله، ﴿ ما قطعتم من لينةٍ ولا تركتموها على أصولها ﴾ أي : لم تقطعوها.
وقرىء :« قَائِماً » مفرداً مذكراً.
وقوله :﴿ أُصُولِهَا ﴾.
قرىء :« أصْلها » بغير « واو »، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع « أصل » نحو :« رَهْن ورُهُن ».
والثاني : أن يكون حذف الواو استثقالاً لها، واكتفى بالضمة عن « الواو ».
فصل في نزول الآية
روي أن رسول الله ﷺ لما نزل بنو النضير، وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك، وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصَّلاح، أفمن الصلاح قطع الشجر وعَقْر النخل؟ وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟ فوجد المسلمون في أنفسهم وخشوا أن ذلك فساداً، واختلفوا في ذلك.
فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنها مما أفَاءَ اللَّه علينا.
وقال بعضهم : بل نُغيظهم بقطعها، وأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - قال : حرَّق رسول الله ﷺ نخل بني النضير وقطع وهي « البُويرة »، فنزل :﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله ﴾ أخبر في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه « فبإذْنِ الله » أي : بأمره ﴿ وَلِيُخْزِيَ الفاسقين ﴾.
و « اللام » في « ليخزي » متعلقة بمحذوف أي : أذن في قطعها ليسرَّ المؤمنين ويعزهم ويخزي الفاسقين.
فصل في هدم حصون الكفار
احتجُّوا بهذه الآية على أنَّ حصون الكفرة وديارهُم يجوز هدمُهَا وتحريقُهَا وتغريقها وأن ترمى بالمجانيق وكذلك أشجارهم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنهم قطعوا منها ما كان موضعاً للقتال.
وروي أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا : تركتها لرسول الله ﷺ، وقال الآخر : قطعتها غيظاً على الكُفَّار.
واستدلوا به على جواز الاجتهاد بحضرة النبي ﷺ.
قال الماوردي رحمه الله : في هذه الآية دليل على أن كل مجتهد مصيب.
وقال إلكيا الطبري : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي ﷺ بين أظهرهم، ولا شكَّ أن رسول الله ﷺ رأى ذلك وسكت، فتلقوا الحكم من تقريره فقط.
قال ابن العربي : وهذا باطل لأن رسول الله ﷺ كان معهم، ولا اجتهاد مع حضور النبي ﷺ وإنما يدل على اجتهاد النبي ﷺ فيما لم ينزل عليه أخذاً بعموم الأذية للكفار، ودخولاً في الإذْنِ للكل فيما يقضي عليهم بالبوارِ، وذلك قوله - تعالى - :﴿ وَلِيُخْزِيَ الفاسقين ﴾.