قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ ﴾ الآية.
قال المبرد :« يقال : أفاء يفيء، إذا رجع، وأفاء الله، إذا رده ».
وقال الأزهري :« الفَيْء : ما رده الله على أهل دينه من أموالٍ بلا قتالٍ إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخْلُوهَا للمسلمين، أو يصالحون على جزيةٍ يؤدّونها عن رءوسهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفكِ دمائهم، كما فعله بنو النضير حين صالحوا رسول الله ﷺ على أن لكل ثلاثة منهم حمل بعير مما شاءوا سوى السلاح، ويتركوا الباقي، فهذا المال هو الفيءُ، وهو ما أفاء الله على المسلمين، أي : رده من الكفار على المسلمين ».
وقوله :« مِنْهُمْ » أي : من يهود بني النضير.
قوله :﴿ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ ﴾.
الفاء جواب الشرط، أو زائدة، على أنها موصولة متضمنة معنى الشَّرط، و « ما » نافية.
والإيْجَاف : حمل البعير على السَّير السريع، يقال : وجف البعير والفرس إذا أسرع، يَجِفُ وجْفاً ووَجِيفاً ووجفَاناً، وأوجفته أنا إيجافاً، أي : أتعبته وحركته.
قال العجاج :[ الرجز ]
٤٧٤٢- نَاجٍ طَوَاهُ الأيْنُ مِمَّا وجَفَا... وقال نصيب :[ الطويل ]
٤٧٤٣- ألاَ رُبَّ رَكْبٍ قَدْ قطَعْتُ وجيفَهُمْ | إلَيْكَ ولوْلاَ أنْتَ لَمْ يُوجفِ الرَّكْبُ |
« من » زائدة، أي : خيلاً، والرِّكاب : الإبل، واحدها : راحلة، ولا واحد لها من لفظها.
قال ابن الخطيب : والعرب لا يطلقون لفظ الرَّاكب إلاَّ على راكب البعير، ويسمون راكب الفرس فارساً.
والمعنى : لم تقطعوا إليها شُقَّة، ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة، وإنما كانت من « المدينة » على ميلين قاله الفراء. فمشوا إليها مشياً ولم يركبوا خيلاً، ولا إبلاً إلا النبي ﷺ فقيل : إنه ركب جملاً.
وقيل : حماراً مخطُوماً بليفٍ، فافتتحها صُلْحاً.
قال ابن الخطيب : إن الصحابة طلبوا من الرسول - ﷺ - أن يقسم الفَيْءَ بينهم كما يقسم الغنيمة بينهم، فذكر الله - تعالى - الفرق بين الأمرين، وأن الغنيمة هي التي أتعبتم أنفسكم في تحصيلها، وأما الفيءُ فلم يوجف عليه بخيل ولا ركابٍ، فكان الأمر فيه مفوضاً إلى النبي ﷺ يضعه حيث يشاء.
وها هنا سؤال، وهو أن أموال بني النَّضير أخذت بعد القتال؛ لأنهم حوصروا أياماً، وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء، فوجب أن تكون تلك الأموال من جملة الغنائم لا من جملة الفيء؟ فلهذا السؤال ذكر المفسرون ها هنا وجهين :
الأول : أن هذه الآية ما نزلت في قرى بني النضير؛ لأنهم أوجفوا عليه بالخيل والرِّكاب، وحاصرهم رسول الله ﷺ والمسلمون، بل هي فيء « فَدَك »؛ لأن أهله انجلوا عنه، فصارت تلك القرى والأموال التي في يد رسول الله ﷺ من غير حربٍ، فكان رسول الله ﷺ يأخذ من غلَّة « فدك » نفقته ونفقة من يعوله، ويجعل الباقي للسِّلاح والكراع، فلما مات رسول الله ﷺ ادعت فاطمة - رضي الله عنها - أنه كان نحلها « فدكاً »، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنت أعز الناس علي فقراً، وأحبهم إلي غنى، لكني لا أعرف صحة قولك، ولا يجوز لي أن أحكم بذلك، فشهدت لها أم أيمن ومولى للرسول ﷺ فطلب منها أبو بكر الشَّاهد الذي يجوز شهادته في الشرع فلم يكن فأجرى أبو بكر ذلك على ما كان يجريه الرسول ﷺ ينفق منه على من كان ينفق عليه الرسول، ويجعل ما يبقى في السلاح والكُراع.