فقوله :« وفي هذا نظر » يوهم أنه جاء على خلاف ما يقتضيه القياس وليس كذلك، بل جاء على ما يقتضيه القياس.
وفي هذه الضمائر قولان :
أحدهما : أنها كلها للمنافقين.
والثاني : أنها مختلفة بعضها لهؤلاء، وبعضها لهؤلاء.

فصل


اعلم أنه - تعالى - عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها، وقد أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا، فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم، وكان الأمر كذلك؛ لأن بني النضير لما خرجوا لم يخرج معهم المنافقون، وقاتلوا أيضاً فما نصروهم، وهذا كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير : لا نسلم أن الأمر كما تقول، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول إلا أنه لا يفيد ذلك فائدة فكذا هاهنا ذكر تعالى أنهم لا يخرجون معهم، وبتقدير أن ينصروهم إلا أنهم لا بد وأن يتركوا النُّصرة وينهزموا، ويتركوا أولئك المنصورين في أيدي أعدائهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ].
[ وقيل : معنى لا ينصرونهم : لا يدومون على نصرهم، هذا على أن الضميرين متفقان على اختلاف الضميرين، فالمعنى : لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ﴿ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ ﴾ أي : ولئن نصر اليهود المنافقين ليولُّنَّ الأدبار ].
قوله تعالى :﴿ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً ﴾.
مصدر من « رُهِبَ » المبني للمفعول، فالرهبة واقعة من المنافقين لا من المخاطبين، كأنه قيل : لأنتم أشد رهوبية في صدورهم من الله، فالمخاطبون مُرْهِبُونَ وهو قول كعب بن زهير - رضي الله عنه - في مدح رسول الله ﷺ :[ البسيط ]
٤٧٥٢- فَلَهْوَ أخْوَفُ عِنْدِي إذْ أكَلِّمُهُ وقِيلَ إنَّكَ مَحْبُوسٌ ومَقْتُولُ
مِنْ ضَيْغَمٍ بِثَرَاءِ الأرْضِ مُخْدَرُهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
و « رَهْبَةً » تمييز.

فصل في معنى الآية


المعنى : لأنتم يا معشر المسلمين ﴿ أَشَدُّ رَهْبَةً ﴾ أي خوفاً وخشية في صدورهم من الله، يعني صدور بني النضير.
وقيل : صدور المنافقين، ويحتمل أن يرجع إلى الفريقين، أي : يخافون منكم أكثر مما يخافون من ربهم، « ذَلِكَ » إشارة إلى الخوف أي ذلك الخوف ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾ قدر عظمة الله وقدرته حتى يخشوه حقَّ خشيته.
قوله تعالى :﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً ﴾ يعني اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين « إلاَّ » إذا كانوا ﴿ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ بالخنادق والدُّروب والحيطان [ يظنُّون ] أنها تمنعهم منكم، ﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ﴾ أي : من خلف حيطانٍ يستترون بها لجبنهم ورهبتهم.
قوله :« جَمِيعاً » حال، و ﴿ إِلاَّ فِي قُرًى ﴾ متعلق ب « يُقَاتِلُونَكُمْ ».


الصفحة التالية
Icon