[ فإن قيل : لم قدم العلم بالإخفاء على العلم بالإعلان مع أن ذلك مستلزم لهذا من غير عكس؟.
فالجواب هذا بالنسبة إلى علمنا، لا بالنسبة إلى علمه - تعالى - إذ هما سيّان في علمه تعالى؛ لأن المقصود بيان ما هو الإخفاء، وهو الكفر، فيكون مقدماً.
فإن قيل : لم لم يقل : بما أسررتم، ثم وما أعلنتم، مع أنه أليق بما سبق في قوله :« تُسِرُّونَ؟ » فالجواب : أن فيه من المبالغة ما ليس في ذلك، فإنَّ الإخفاء أبلغ من الإسرار بدليل قوله :﴿ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى ﴾ [ طه : ٧ ]، أي : أخفى من السِّر ].
فصل في معاتبة حاطب
قال القرطبي : وهذا كله معاتبة لحاطب، وهو يدل على فضله وكرامته، ونصيحته للرسول ﷺ وصدق إيمانه؛ فإن المعاتبة لا تكون إلا من محبٍّ لحبيب؛ كما قال :[ الوافر ]
٤٧٦٠ - إذَا ذَهَبَ العِتَابُ فليْسَ وُدٌّ | ويَبْقَى الودُّ مَا بَقِيَ العِتَابُ |
فصل في المراد بالمودة
والمراد بالمودّة في الآية النصيحة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأنا أعلم بما أخفيتم في صدوركم، وما أظهرتم بألسنتكم من الإقرار والتوحيد.
﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ ﴾ أي : من يسر إليهم ويكاتبهم ﴿ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل ﴾ أي : أخطأ طريق الهدى.
قوله :« ومَن يفعلهُ ». في الضمير وجهان :
أظهرهما : أنه يعود على الإسرار؛ لأنه أقرب مذكور.
والثاني : يعود على الاتِّخاذ. قاله ابن عطية.
قوله :﴿ سَوَآءَ السبيل ﴾.
يجوز أن يكون منصوباً على الظرف، إن قلنا : ضلَّ قاصر.
وأن يكون مفعولاً به، إن قلنا : هو متعد.
[ فإن قيل : ما الفائدة في قوله « مِنكُمْ »، ومن المعلوم أن من فعل هذا، فقد ضل سواء السبيل؟
فالجواب : إن كان المراد من قوله :« مِنْكُمْ » هم المؤمنون فظاهر، لأن من يفعل ذلك لا يلزم أن يكون مؤمناً ].