فصل


روى أبو الزُّبَيْر عن جابرِ بنِ عبد الله قال : قال رسول الله - ﷺ - :« إِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ المُكَذِّبُونَ لِقَدَر اللَّهِ، إنْ مَرِضُوا فَلاَ تَعُودُوهُم وإنْ مَاتُوا فَلاَ تَشْهَدُوهُم وإنْ لَقِيتُمُوهم فَلاَ تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ » أخرجه ابن ماجه في سننه. وخرج أيضاً عن ابن عباس وجابر قالا : قال رسول الله - ﷺ - :« صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لهم في الإِسْلاَم نَصِيبٌ أَهْلُ الإرْجَاء والقَدَر ».
قوله :﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ ﴾ أي إلا كلمة واحدة وهو قوله « كُنْ ». « كَلَمْحِ بِالبَصَرِ » أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. واللمح : النظر بالعَجَلة يقال : لَمَحَ البَرْق ببَصَره؛ وفي الصحاح : لَمَحَهُ وأَلْمَحَهُ إِذا أبصره بنظرٍ خفيف، والاسم اللَّمْحَة، ولَمَحَ البَرْقُ والنَّجْمُ لَمحاً، أي لَمَعَ.
قال البغوي : قوله « وَاحِدَةٌ » يرجع إلى المعنى دون اللفظ أي وما أمرنا إلا واحدة.
وقيل : معناه وأما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة كما تقدم، وهي رواية عَطَاءٍ عن ابْن عبَّاس، وروى الكلبي عنه : وما أمرنَا بمجيء الساعة في السرعة إلاَّ كَطَرْف البَصَر.

فصل


قال ابن الخطيب : إنَّ الله تعالى إذا أراد شيئاً قال له : كُنْ فهناك شيئان الإرادة والقَوْل، فالإرادة قَدَر، والقول قضاء، وقوله :« وَاحِدَةٌ » يحتمل أمرين :
أحدهما : بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول إشارة إلى نَفَاذِ القَوْل.
ثانيهما : بيان عدم اختلاف الحال فأمره عند خلق العرش العظيم كأمره عند خلق النَّمْلَة الصغيرة فأمره عند الكل واحد. وقوله :« كَلَمْحٍ بالبَصَرِ » تشبيه للكون لا تشبيه الأَمْر، فكأنه قال : أمرنا واحدة، فإذا المأمور كائنٌ كلمح بالبصر، لأنه لو كان راجعاً إلى الأمر لا يكون ذلك صفة مدح يليق به، فإن كلمة « كُنْ » شيء أيضاً يوجد كلمح بالبصر. ومعنى « كَلَمْحٍ بالبصَرِ » أي كنَظَر العَيْن. والباء للاستعانة مثل : كَتَبْتُ بالقَلَم، دخلت على الآلة ومثل بها؛ لأنها أسرع حركة في الإنسان؛ لأن العين وجد فيها قرب المحرَّك منها، ولا يفضل عليه بخلاف العِظام، واستدارة شكلها، فإن دَحْرَجَةَ الكُرَة أسرع من دحرجة المُثَلَّثِ والمربَّعِ، ولأنها في رُطُوبةٍ مخلوقة في العضو الذي هو موضعها، وهو الحكمة في كثرة المرئيَّات بخلاف المأكولات والمسموعات والمفاصل التي تُفْصَل بالأرجل والمذُوقات فلَوْلاَ سرعة حركة الآلة التي بها إدراك المبْصرات لما وصل إلى الكل إلا بعد طول بَيَان.
وقيل : معنى :« كلمح بالبصر » البرق يمر به سريعاً، فالباء تكون للإلصاق، نحو : مَرَرْتُ بِهِ، وفي قوله :« كَلَمْحِ بِالبَصَرِ » ولم يقل : كلمح البرق فائدةٌ، وهي أن لَمْحَ البرق له مبدأٌ ونهاية فالذي يمر بالبصر منه يكون أدل من جملته مبالغة في القلة، ونهاية السرعة.


الصفحة التالية
Icon