﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا ﴾ [ الحشر : ٧ ]، وحين أمرنا بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام استثني بعض أفعاله، وذلك إنما جرى؛ لأنه ظن أنه أسلم، فلما بان أنه لم يسلم تبرَّأ منه، وعلى هذا يجوز الاستغفار لمن يظن أنه أسلم، وأنتم لم تجدوا مثل هذا الظَّن فلم توالوهم؟.
قوله :﴿ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ ﴾ هذا من قول إبراهيم لأبيه، أي : ما أدفع عنك من عذاب الله شيئاً إن أشركت به.
قوله :﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ﴾.
يجوز أن يكون من مقول إبراهيم والذين معه، فهو من جملة الأسوة الحسنة، وفصل بينهما بالاستثناء، ويجوز أن يكون منقطعاً مما قبله على إضمار قول، وهو تعليم من الله تعالى لعباده، كأنه قال لهم : قولوا :﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ﴾ أي : اعتمدنا ﴿ وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ﴾ أي : رجعنا ﴿ وَإِلَيْكَ المصير ﴾ أي : الرجوع في الآخرة.
﴿ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾. أي : ولا تظهر عدوَّنا علينا، فيظنوا أنهم على حقّ. فيفتنوا بذلك وقيل : لا تسلّطهم علينا، فيقتلوننا ويعذبوننا.
وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ذلك.
وقيل : لا تبسط [ عليهم ] الرزق دوننا، فإن ذلك فتنة لهم.
وقيل :﴿ لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً ﴾ أي : عذاباً أي : سبباً يعذب به الكفرة، وعلى هذا ليست الآية من قول إبراهيم - ﷺ :﴿ واغفر لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾.
قوله تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ ﴾ أي : في إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء « أسْوةٌ حَسَنةٌ » أي : في التَّبرِّي من الكُفَّار.
وقيل : كرر للتأكيد.
وقيل : نزل الثاني بعد الأول بمدة.
قال القرطبي : وما أكثر المكررات في القرآن على هذا الوجه.
قوله :﴿ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله ﴾.
بدل من الضمير في « لكُمْ » بدل بعض من كل، وقد تقدَّم مثله في « الأحزاب ».
والضمير في « فيهم » عائد على « إبراهيم » ومن معه، وكررت « الأسوة » تأكيداً.
وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله، ويخاف عذاب الآخرة، ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ أي : يعرض عن الإيمان ويتول الكُفَّار ﴿ فَإِنَّ الله هُوَ الغني ﴾ عن خلقه، أي : لم يتعبدهم لحاجته إليهم ﴿ الحميد ﴾ إلى أوليائه وأهل طاعته.
وقيل : الحميد في نفسه وصفاته.
قوله تعالى :﴿ عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ﴾.
قال المفسرون : لمَّا نزلت الآية الأولى عادى المسلمين أقرباؤهم من المشركين، فعلم الله شدّة وجد المسلمين في ذلك فنزلت :﴿ عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ﴾ أي : من كفار « مكة »، وقد فعل الله ذلك؛ لأن « عَسَى » من الله وعد، ولا يخلف الله وعدهُ، وهذا بأن يسلم الكافر، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح « مكة »، وخالطهم المسلمون كأبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام.