قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ ﴾ الآية لما أمر المسلمين بترك موالاة [ المشركين ] اقتضى ذلك مهاجرة المسلمين من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة، فبين أحكام مهاجرة النساء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : جرى الصُّلح مع مشركي قريش عام الحديبية على أن من أتاه من أهل « مكة » رده إليهم، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي ﷺ بالحديبية بعد، فأقبل زوجها - وكان كافراً - وهو صيفي بن راهب.
وقيل : مسافر المخزومي، فقال : يا محمد، اردد عليّ امرأتي فإنك شرطت ذلك، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وقيل :« جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله ﷺ أن يردها.
وقيل : هربت من زوجها عمرو بن العاص، ومعها أخواها عمارة والوليد، فرد رسول الله إخوتها، وحبسها فقالوا للنبيّ ﷺ ردها علينا للشرط، فقال النبي ﷺ : كان الشَّرط في الرجال لا في النساء »، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.
وعن عروة قال : كان مما اشترط سهيل بن عمرو على النبيِّ ﷺ في الحديبية ألاَّ يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه فكرهَ المؤمنون ذلك، وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي ﷺ على ذلك، فردّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا ردّه في تلك المدة وإن كان مسلماً، حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل، يومىء إلى أن الشرط في رد النساء نسخ بذلك.
وقيل : إن التي جاءت أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الشمراخ، ففرت منه، وهو يومئذ كافرٌ، فتزوَّجها سهيل بن حنيف، فولدت له عبد الله. قاله زيد بن حبيب، نقله الماورديّ.
وأكثر أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
قوله :﴿ المؤمنات ﴾. تسمية للشيء بما يدلي إليه ويقاربه ويشارفه؛ أو في الظاهر.
وقرىء « مُهَاجِرَاتٌ » - بالرفع - وخرجت على البدل.
فصل في دخول النساء عقد المهادنة لفظاً أو عموماً
اختلفوا هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظاً أو عموماً؟
فقالت طائفة : كان شرط ردهن في عقد الهُدنة صريحاً، فنسخ الله ردّهن من العقد ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان، وهذا يدل على أن للنبي ﷺ أن يجتهد رأيه في الأحكام، ولكن لا يقرّه الله على خطأ.