وقالت طائفة : لم يشترط ردّهن في العقد لفظاً، وإنما أطلق العقد في ردِّهن أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال، فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين :
أحدهما : أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني : أنهن أرقّ قلوباً، وأسرع تقلباً منهم، فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم. ومن أسلمت فلا تردوها.
قوله :﴿ فامتحنوهن ﴾.
قيل : إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها، قالت : سأهاجر إلى محمد ﷺ فلذلك أمر النبي ﷺ بامتحانهن، واختلفوا فيما كان يمتحنهن به.
فقال ابن عباس : كان يمتحنهن بأن يُسْتَخْلَفْنَ بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقاً لرجل من المسلمين، ولا لحدث أحدثته، وما خرجت إلا رغبة في الإسلام، وحب الله ورسوله، فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك أعطى النبي ﷺ زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردها، فذلك قوله تعالى :﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾.
وروي عن ابن عباس أيضاً : أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وروى معمر عن الزهري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما كان رسول الله ﷺ يمتحنهن إلا بالآية التي قال الله تعالى :﴿ إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً ﴾.
خرجه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح.
فصل
قال أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان ﷺ عاهد عليه قريشاً من أنه يرد عليهم من جاءه منهم مسلماً، فنسخ من ذلك النساء. وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن.
فصل
قال القرطبي : ولا يجوز أن يهادن الإمام العدو على أن يرد عليهم من جاءه مسلماً؛ لأن إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز، وهذا مذهب الكوفيين، وأجاز مالك عقد الصلح على ذلك.
واحتج الكوفيون « بأنَّ رسول الله ﷺ بعث خالد بن الوليد إلى قوم خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم، فوداهم رسول الله ﷺ [ بنصف الدية ] وقال :» أنَا بَريءٌ مِن كُلِّ مسلمٍ أقَامَ مع مُشركٍ بدارِ الحَرْبِ لا تَراءَى نَاراهُما « قالوا : فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين، إذ كان رسول الله ﷺ قد برىء ممن أقام معهم في دار الحرب. ومذهب مالك والشافعيِّ أن هذا الحكم غير منسوخ.
قال الشافعي : وليس لأحد هذا العقد إلا الخليفة أو [ رجل ] يأمره، فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود.
قوله :﴿ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ﴾.
هذه الجملة فائدتها بيان أنه لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن، فإن ذلك مما استأثر الله به.