والثاني : أنه حال من :« حكم الله »، والراجع إما مستتر أي : يحكم هو، أي : الحكم على المبالغة، وإما محذوف، أي : يحكمه، وهو الظاهر.
قوله :﴿ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾.
يجوز أن يتعلق ب « فاتكم » أي : من جهة أزواجكم، يراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج، كما تقدم.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف، على أنه صفة ل « شيء ».
ثم يجوز في « شيء »، أن يراد به : المهر، ولكن على هذا، فلا بد من حذف مضاف، أي : من مهور أزواجكم ليتطابق الموصوف وصفته.
ويجوز أن يراد ب « شيء » [ النساء، أي : بشيء من النساء، أي : نوع وصف منهن، وهو ظاهر وصفه بقوله :﴿ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾.
وقد صرَّح الزمخشري بذلك، فإنَّه قال : وإن سبقكم وانفلت منكم شيء من أزواجكم أحد منهن إلى الكُفَّار، وفي قراء أبي مسعود :« أحد ».
فهذا تصريح بأن المراد ب « شيء » : النساء الفارات ]، ثم قال : فإن قلت : هل لإيقاع شيء في هذا الموضع فائدة؟ قلت : نعم، الفائدة فيه ألا يغادر شيء من هذا الجنس، وإن قلَّ وحقر غير معوض عنه، تغليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه، ولولا نصّه على أنَّ المراد ب « شيء » : أحد، كما تقدم، لكان قوله :« إلا أن يغادر شيء من هذا الجنس وإن قل وحقر »، ظاهراً في أن المراد ب « شيء » : المهر؛ لأنه يوصف بالقلة والحقارة وصفاً سائغاً وقوله :« تغليظاً » فيه نظر؛ لأن المسلمين ليس لهم تسبب في فرار النساء إلى الكفار، حتى يغلظ عليهم الحكم بذلك.
وعدي :« فات » ب « إلى »؛ لأنه ضمن معنى الفرار والذهاب والسبق ونحو ذلك.
قوله :﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾، عطف على « فاتكم ».
وقرأ العامة :« عاقبتم ». وفيه وجهان :
أحدهما : أنه من العقوبة، قال الزجاج :« فعَاقَبْتُم » فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم.
والثاني : أنَّه من العُقْبة، وهي التوبة، شبه ما حكم به على المسلمين، والكافرين من أداء هؤلاء مهور النساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، بأمر يتعاقبون فيه، كما يتعاقب في الركوب وغيره، ومعناه : فجاءت عقبتكم من أداء المهر. انتهى.
وقرأ مجاهد والأعرج والزهري وأبو حيوة وعكرمة وحميد : بتشديد القاف دون ألف.
ففسرها الزمخشري على أصله يعقبه : إذا قفاه؛ لأن كل واحد من المتعاقبين، يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم - بالتخفيف - يقال : عقبه يعقبه انتهى.
والذي قرأه بالتخفيف وفتح القاف : النخعي، وابن وثاب، والزهري، والأعرج أيضاً. وبالتخفيف، وكسر القاف : مسروق، والزهري، والنخعي أيضاً.
وعن مجاهد : أعقبتم.
قال الزمخشري : معناه : دخلتم في العقبة.
قال البغوي :« معناه : أي : صنعتم بهم، كما صنعوا بكم ».