وفسَّر الزجاج القراءات الباقية : فكانت العقبى : أي : كانت الغلبة لكم حتى غنمتم.
والظَّاهر أنه كما قال الزمخشريُّ : من المعاقبة بمعنى المناوبة.
يقال : عاقب الرجل صاحبه في كذا، أي : جاء فعل كل واحد منهما يعقب فعل الآخر، ويقال : أعقب - أيضاً. وأنشد بعضهم رحمه الله :[ الطويل ]

٤٧٦١ - وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ ولَمْ يَكُنْ لِعُقبَةِ قِدْرِ المُستعيرِينَ مُعْقِبُ
قال البغوي :« وكلها لغات بمعنى واحد، يقال : عَاقَبَ وأعقَبَ وتعقَّب وتعَاقَبَ واعتقَبَ، إذا غنم ».
وقيل : التعقيب : غزوة بعد غزوة.

فصل


روي أن المسلمين قالوا : رضينا بما حكم الله، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا، فنزل قوله تعالى :﴿ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ ﴾.
روى الزُّهري عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها وعنهم - قالت : حكم الله تعالى بينهم، فقال - جل ثناؤه - :﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾، فكتب إليهم المسلمون : قد حكم الله - تعالى - بيننا بأنه إذا جاءتكم امرأة منا، أن توجهوا إلينا بصداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم، وجهنا إليكم بصداقها، فكتبوا إليهم : أما نحن، فلا نعلم لكم عندنا شيئاً، فإن كان لنا عندكم شيء، فوجهوا به، فأنزل الله تعالى :﴿ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ ﴾. الآية.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ أي : بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة، يرد بعضهم على بعض.
قال الزهريُّ : ولولا العهد، لأمسك النساء، ولم يرد إليهم صداقاً.
وقال قتادة ومجاهدٌ : إنَّما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، وقالا : هي فيما بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد، وقالا : ومعنى ﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾ فاقتصصتم.
﴿ فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ﴾ يعني : الصفات، فهي عامة في جميع الكفار.
وقيل : فعاقبتم المرتدة بالقتل.
وقال قتادة أيضاً : وإن فاتكم شيء من أزواجكم، إلى الكفار، الذين ليس بينكم وبينهم عهد، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا، ثم نسخ هذا في سورة براءة.
وقال الزهريُّ : انقطع هذا يوم الفتح.
وقال سفيان الثوري : لا يعمل به اليوم.
وقال قوم : هو ثابت الحكم الآن أيضاً. حكاه القشيري.

فصل


قال القرطبي : الآية نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان، ارتدت وتركت زوجها عياض بن غنم الفهري، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها، ثم عادت إلى الإسلام.
وقال البغويُّ : روي عن ابن عبَّاسٍ قال : لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرات، ست نسوة : أم الحكم بنت أبي سفيان، وكانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة، كانت تحت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما أراد عمر أن يهاجر أبت وارتدت، وبروعُ بنت عقبة، وكانت تحت شماس بن عثمان، وغرة بنت عبد العزيز بن نضلة، وزوجها عمرو بن عبد ودّ، وهند بنت أبي جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل، وأم كلثوم بنت جرول، وكانت تحت عمر بن الخطاب، فلما رجعن إلى الإسلام، أعطى رسول الله ﷺ أزواجهن مهور نسائهم من الغنيمة.


الصفحة التالية
Icon