قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ ﴾ الآية.
لما فتح رسول الله ﷺ « مكة »، جاءه نساء أهل « مكة » يبايعنه، فأمر أن يأخذ عليهن أن لا يشركن.
قالت عائشة رضي الله عنها :« والله ما أخذ رسول الله ﷺ قط إلا بما أمر الله - تعالى - وما مست كف رسول الله ﷺ كف امرأة قط، وكان يقول إذا أخذ عليهن :» قَدْ بايعْتُكنَّ « كلاماً »
وروي أنه - ﷺ -، بايع النساء، وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن.
وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا، ومعه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أسفل منه، فجعل يشترط على النساء البيعة، وعمر يصافحهن.
وروي أنَّه كلف امرأة وقفت على الصفا، وكلفها أن تبايعهن، ففعلت.
قال ابن العربي : وذلك ضعيف، وإنما التعويل على ما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه المتقدم. قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله ﷺ يمتحنهن بقول الله تعالى :﴿ ياأيها النبي إِذَا جَآءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ ﴾ إلى آخر الآية، قالت عائشة :« فمن أقر بهذا من المؤمنات، فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله ﷺ إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله ﷺ :» انْطَلقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ «، لا والله ما مَسَّتُ يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام »
وقالت أمُّ عطيَّة رضي الله عنها :« لما قدم رسول الله المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلَّم فرددن عليه السلام فقال : أنا رسول رسول الله ﷺ إليكن :» ألا تشركن بالله شيئاً « الآية، فقلن : نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال : اللَّهُمَّ اشْهَدْ »
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي ﷺ كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه، ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه.
فصل
روي « أن النبي ﷺ لما فرغ من بيعة الرجال يوم فتح » مكة «، وهو على الصفا، وعمر بن الخطَّاب أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول الله ﷺ يبلغهن عنه، على ألاَّ يشركن بالله شيئاً، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله ﷺ أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد، فقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام، والجهاد فقط، فقال النبي ﷺ :» ولاَ يَسْرِقْنَ «، فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله قوتنا، فلا أدري أيحلّ لي أم لا؟.
فقال أبو سفيان : ما أًصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر، فهو لك حلال، فضحك رسول الله ﷺ، فقال لها : وإنَّك لهِنْدُ بِنْتُ عتبة؟ قالت : نعم، فاعف عني ما سلف، فقال عَفَا اللَّهُ عنكِ، ثم قال :﴿ وَلاَ يَزْنِينَ ﴾ فقالت هند : أو تزنِي الحُرَّة؟ فقال :﴿ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾، أي : لا يئدن الموءودات ولا يسقطن الأجنة، فقالت هند : ربَّيناهُمْ صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر، وأنت أعلم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان - وهو بكرها - قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسَّم رسول الله ﷺ، ثم قال :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ »