وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو :« مِنْ بَعدِيَ » - بفتح الياء - وهي قراءة السلمي، وزرّ بن حبيش، وأبو بكر عن عاصم، واختاره أبو حاتم؛ لأنه اسم، مثل الكاف من « بعدك »، والتاء من « قمت ».
والباقون : قرءوا بالإسكان.
وقرىء :﴿ من بعد اسمه أحمد ﴾، فحذف الياء من اللفظ.
و « أحمدُ » اسم نبينا ﷺ هو اسم علم.
يحتمل أن يكون من صفة، وهي :« أفعل » التفضيل، وهو الظَّاهر، فمعنى « أحمد » أي : أحمدُ الحامدين لربِّه.
والأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - كلهم حمادون لله، ونبينا « أحْمَد » أكثرهم حمداً.
قال البغويُّ : والألف في « أحْمَد »، للمبالغة في الحمد، وله وجهان :
أحدهما : أنه مبالغة من الفاعل، أي : الأنبياء كلهم حمادون لله - تعالى -، وهو أكثر حمداً لله من غيره.
والثاني : أنه مبالغة في المفعول، أي : الأنبياء كلهم محمودون، لما فيهم من الخصال الحميدة، وهو أكثر مبالغة، وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها، انتهى.
وعلى كلا الوجهين، فمنعه من الصرف للعلمية والوزن الغالب، إلاَّ أنَّهُ على الاحتمال الأول يمتنع معرفة وينصرف نكرة. وعلى الثاني يمتنع تعريفاً وتنكيراً؛ لأنه يخلف العلمية للصفة.
وإذا أنكر بعد كونه علماً جرى فيه خلاف سيبويه والأخفش، وهي مسألة مشهورة بين النحاة.
وأنشد حسان - رضي الله عنه - يمدحه - ﷺ - ويصرفه :[ الكامل ]

٤٧٦٤ - صَلَّى الإلَهُ ومَنْ يَحُفُّ بِعرْشِهِ والطَّيِّبُونَ على المُبَارَكِ أحْمَدِ
« أحمد » : بدل أو بيان « للمُبَارك ».
وأما « مُحَمَّد » فمنقول من صفة أيضاً، وهو في معنى « محمود » ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، ف « محمّد » هو الذي حمد مرة بعد أخرى.
قال القرطبي :« كما أن المكرَّم من الكرم مرة بعد أخرى، وكذلك المدح ونحو ذلك، فاسم » محمد « مطابق لمعناه، فالله - سبحانه وتعالى - سماه قبل أن يسمي به نفسه، فهذا علم من أعلام نبوته، إذ كان اسمه صادقاً عليه، فهو محمود في الدنيا لما هدي إليه، ونفع به من العلم والحكمة، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضي اللفظ، ثم إنه لم يكن محمداً حتى كان :» أحمد « حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم :» أحمد « على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى فقال :» اسمه أحمد «، وذكره موسى - ﷺ - حين قال له ربه : تلك أمة أحمد، فقال : اللهم اجعلني من أمَّة محمد، فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث، كان محمداً بالفعل، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه، فيكون أحمد الناس لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته ».


الصفحة التالية
Icon