وقال الأخفش : أن « تؤمنون » : عطف بيان ل « تجارة ».
وهذا لا يتخيل إلا بتأويل أن يكون الأصل : أن تؤمنوا، فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله :[ الطويل ]
٤٧٦٦ - ألاَ أيُّهَذا الزَّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَى... الأصل : أن أحضر الوغى.
وكأنه قيل : هل أدلّكم على تجارة منجية : إيمان وجهاد، وهو معنى حسن، لولا ما فيه من التأويل، وعلى هذا يجوز أن يكون بدلاً من « تِجارةٍ ».
وقال الفراء : هو مجزوم على جواب الاستفهام، وهو قوله :« هل أدلكم ».
واختلف الناس في تصحيح هذا القول.
فبعضهم غلطه. قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا.
يعني : أنه ليس مرتباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة.
قال القرطبي : و « تُؤمِنُونَ » عند المبرد والزجاج في معنى « آمِنُوا » ولذلك جاء « يَغْفِر لَكُمْ » مجزوماً على أنه جواب الأمر.
قال ابن الخطيب :« هَلْ أدلكُمْ » في معنى الأمر عند الفرَّاء، يقال : هل أنت ساكت أي : اسكت، وبيانه أن « هَلْ » بمعنى الاستفهام ثم يندرج إلى أن يصير عرضاً وحثًّا، والحث كالإغراء، والإغراء أمر.
وقال المهدوي : إنما يصح حمله على المعنى، وهو أن يكون « تُؤمِنُونَ، وتجاهدون » : عطف بيان على قوله :« هل أدلكم ».
كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد، فهي هما في المعنى، فكأنه قيل : هل تؤمنون وتجاهدون؟.
قال : فإن لم يقدر هذا التقدير لم يصح، لأنه يصير إن دُللتم يغفر لكم والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة.
وقال الزمشخري قريباً منه أيضاً.
وقال أيضاً : إن « تؤمنون » استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل؟ فقال : تؤمنون.
وقال ابن عطيَّة :« تُؤمِنُونَ » : فعل مرفوع، تقديره : ذلك أنه تؤمنون.
فجعله خبراً، وهي وما في حيّزها خبر لمبتدأ محذوف، وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب فإنه لا حاجة إليه.

فصل


قال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ﴾ ؟.
فالجواب : يمكن أن يكون المراد من هذه الآية المنافقين وهم الذين آمنوا في الظاهر، ويمكن أن يكون أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى فإنهم آمنوا بالكتب المتقدمة.
فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة آمنوا بالله وبمحمد، ويمكن أن يكون أهل الإيمان كقوله تعالى :﴿ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾ [ التوبة : ١٢٤ ]، أو يكون المراد الأمر بالثبات على الإيمان، كقوله :﴿ يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ]. فإن قيل : كيف ترجى النجاة إذا آمن بالله ورسوله ولم يجاهد في سبيل الله وقد علق بالمجموع؟.
فالجواب : أن هذا المجموع هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد بالنفس والمال في سبيل الله خير في نفس الأمر.


الصفحة التالية
Icon