قوله تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ تقدم الكلام فيه.
وقوله :﴿ الملك القدوس العزيز الحكيم ﴾.
وجه تعلق هذه السورة بما قبلها، هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة :« سبَّحَ للَّهِ » بلفظ الماضي وذلك لا يدل على التسبيح في المستقبل، فقال في أول هذه السورة بلفظ [ المستقبل ] ليدل على التسبيح في الزمن الحاضر والمستقبل.
وأما تعلق الأول بالآخر، فلأنه تعالى ذكر في آخر تلك السورة أنه كان يؤيد أهل الإيمان حتى صاروا غالبين على الكُفَّار وذلك على وفق الحكمة لا للحاجة إليه إذ هو غني على الإطلاق ومنزه عما يخطر ببال الجهلة، وفي أول هذه السورة ذكر على ما يدل على كونه مقدساً، ومنزّهاً عما لا يليق بحضرته العليَّة ثم إذا كان خلق السماوات والأرض بأجمعهم في تسبيح حضرة الله تعالى فله الملك، ولا ملك أعظم من هذا على الإطلاق، ولما كان الملك كله له تعالى فهو الملك على الإطلاق، ولما كان الكل خلقه فهو المالك على الإطلاق.
قوله :﴿ الملك القدوس ﴾.
قرأ العامة : بجر « الملكِ » وما بعده نعتاً لله، والبدل ضعيف لاشتقاقهما.
وقرأ أبو وائل وسلمة بن محارب ورؤبة بالرفع على إضمار مبتدأ مقتضٍ للمدح.
وقال الزمخشري :« ولو قرىء بالنصب على حدّ قولهم : الحمد لله أهل الحمد، لكان وجهاً ».
وقرأ زيد بن علي :« القَدُّوس » بفتح القاف، وقد تقدم ذلك. و « يُسَبِّحُ » من جملة ما يجري فيه اللفظان، ك « شكره وشكر له ونصحه ونصح له وسبحه وسبح له ».
فإن قيل :« الحَكِيمُ » يطلق أيضاً على الغير كما يقال في لقمان : إنه حكيم.
فالجواب : أن الحكيم عند أهل التحقيق هو الذي يضع الأشياء مواضعها، والله تعالى حكيم بهذا المعنى.
قوله :﴿ هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾.
تقدم الكلام في « الأميّ والأميين » جمعه.
و « يَتْلُو » وما بعده صفة ل « رسول » ﷺ.
قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - :« الأميّون » العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب؛ لأنهم لم يكونوا أهل كتاب.
وقيل : الأميّون الذين لا يكتبون، وكذلك كانت قريش.
وروى منصور عن إبراهيم قال :« الأمّي » الذي لا يقرأ ولا يكتب.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - الأميون الذين ليس لهم كتاب ولا نبي بعث فيهم، وقيل : الأميون الذين هم على ما خلقوا عليه.
وقرىء :« الأمين » بحذف ياء النَّسب.
قوله :﴿ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾.
يعني محمداً ﷺ وما من حيّ من العرب إلا ولرسول الله ﷺ فيهم قرابة وقد ولدوه.