وقال ابن إسحاق : إلا بني تغلب، فإن الله طهَّر نبيه ﷺ منهم لنصرانيتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادة، وكان أميًّا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلّم ﷺ.
قال الماورديُّ : فإن قيل : فما وجه الامتنان بأن بعث اللَّهُ نبيًّا أميًّا؟.
فالجواب من ثلاثة أوجه :
أحدها : لموافقته ما تقدم من بشارة الأنبياء.
الثاني : لمشاكلة حاله لأحوالهم فيكون أقرب لموافقتهم.
الثالث : لينفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعى إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها.
قال القرطبي :« وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته ».
قوله :﴿ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ يعني القرآن « ويُزكِّيهم » أي : يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان. قاله ابن عباس.
وقيل : يطهرهم من دنس الكفر والذنوب. قاله ابن جريج ومقاتل.
وقال السديُّ : يأخذ زكاة أموالهم، « ويُعَلِّمُهُم الكِتابَ » يعني : القرآن، « والحكمة » يعني السُّنة. قاله الحسن.
وقال ابن عباس :« الكتاب » الخط بالقلم، لأن الخط إنما نشأ في العرب بالشَّرع لما أمروا بتقييده بالخط.
وقال مالك بن أنسٍ :« الحكمة » الفقه في الدين.
وقد تقدم في البقرة.
﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ ﴾ أي : من قبله وقبل أن يُرسل إليهم ﴿ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي : في ذهاب عن الحق.

فصل في الرد على بعض الشبه


قال ابن الخطيب : احتج أهل الكتاب بهذه الآية، فقالوا : قوله تعالى :﴿ بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ يدل على أنه - ﷺ كان رسولاً إلى الأميين وهم العرب خاصَّة، قال : وهذا ضعيف، فإنه [ لا ] يلزم من تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه، ألا ترى قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾ [ العنكبوت : ٤٨ ] أنه لا يفهم منه أنه لا يخطه بشماله، ولأنه لو كان رسولاً إلى العرب خاصة، كان قوله تعالى ﴿ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] لا يناسب ذلك، وقد اتفقوا على صدق الرسالة المخصوصة فيكون قوله :﴿ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ﴾ دليلاً على أنه - ﷺ - كان رسولاً إلى الكل.
قوله :﴿ وآخرين منهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مجرور عطفاً على « الأميين »، أي : وبعث في آخرين من الأميين و ﴿ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾ صفة ل « آخرينَ ».
والثاني : أنه منصوب عطفاً على الضَّمير المنصوب في « يُعلِّمُهُم ».
أي : ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون، فكلّ من تعلم شريعة محمد ﷺ إلى آخر الزَّمان فرسول الله ﷺ معلمه بالقوة؛ لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم.
قوله :﴿ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ ﴾.
أي : لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم.
قال ابن عمر وسعيد بن جبير : هم العجم.


الصفحة التالية
Icon