﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ ﴾ [ القمر : ١٧ ]، فالتعليم على هذا الوجه مجاز كما يقال لمن أنفق على متعلم وأعطى أجرة معلمه : علمته.
فإن قيل : لم ترك المفعول الثاني؟.
فالجواب : أن ذلك إشارة إلى أن النعمة في التعليم لا تعليم شخص دون شخص؛ فإن قيل : كيف يجمع بين هذه الآية، وبين قوله :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله ﴾ [ آل عمران : ٧ ] ؟ فالجواب : إن قلنا بعطف الرَّاسخين على « الله » فظاهر.
وإن قلنا بالوقف على الجلالة، ويبتدأ بقوله :« والرَّاسِخُون » فلأن من علم كتاباً عظيماً فيه مواضع مشكلة قليلة، وتأملها بقدر الإمكان، فإنه يقال : فلان يعلم الكتاب الفلاني، وإن كان لم يعلم مراد صاحب الكتاب بيقين في تلك المواضع القليلة، وكذا القول في تعليم القرآن، أو يقال : المراد لا يعلمه من تلقاء نفسه، بخلاف الكتب التي تستخرج بقوّة الذكاء.
فصل في نزول هذه الآية
قال المفسرون : نزلت هذه الآية حين قالوا : وما الرحمن؟.
وقيل : نزلت جواباً لأهل « مكة » حين قالوا :﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [ النحل : ١٠٣ ]، وهو رحمن « اليمامة »، يعنون : مسيلمة الكتاب فأنزل الله - تعالى - ﴿ الرحمن، علَّم القُرآن ﴾ أي : سهله لأن يذكر ويُقرأ.
كما قال :﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ ﴾ [ القمر : ٢٢ ].
قوله تعالى :« خلق الإنسان ».
قال ابن عباس وقتادة، والحسن : يعني آدم - ﷺ -.
قوله :« علَّمهُ البَيانَ » علمه أسماء كل شيء.
وقيل : علمه اللغات كلها، وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية. وعن ابن عباس أيضاً، وابن كيسان : المراد بالإنسان هنا محمد - ﷺ - والمراد من البيان بيان الحلال من الحرام، والهدى من الضلالة.
وقيل : ما كان وما يكون؛ لأنه ينبىء عن الأولين، والآخرين، ويوم الدين.
وقال الضحاك :« البيان » : الخير والشر وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه مما يضره.
وقيل : المراد ب « الإنسان » جميع الناس، فهو اسم للجنس، والبيان على هذا الكلام : الفهم وهو مما فضل به الإنسان على سائر الحيوان.
قال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.
وقال يمان : الكتابة والخط بالقلم نظيره ﴿ عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ العلق : ٤، ٥ ].
فصل في كيفية النظم
إنه علم الملائكة أولاً، ثم خلق الإنسان، وعلمه البيان، فيكون ابتدأ بالعلوي، وقابله بالسفلي، وقدم العلويات على السفليات، فقال :« علم القرآن » إشارة إلى تعليم العلويين.
ثم قال :﴿ خَلَقَ الإنسانَ، علَّمهُ البيانَ ﴾ إشارة إلى تعليم السفليين، وقال :﴿ الشمس والقمر بحسبان ﴾ [ في العلويات ] ﴿ والنجم والشجر يسجدان ﴾ [ في السفليات ].
ثم قال :﴿ والسمآء رَفَعَهَا ﴾ [ الرحمن : ٧ ]، وفي مقابلتها ﴿ والأرض وَضَعَهَا ﴾ [ الرحمن : ١٠ ].
فصل في وصل هذه الجمل
هذه الجمل من قوله :﴿ عَلَّمَ القُرآنَ، خلق الإنسَانَ، علَّمه البيان ﴾ جيء بها من غير عاطف؛ لأنها سيقت لتعديد نعمه، كقولك :« فلان أحسن إلى فلان، أشاد بذكره، رفع من قدره » فلشدة الوصل ترك العاطف، والظاهر أنها أخبار.