وقيل : لتجتمع الجماعات فيها. وقيل : لاجتماع النَّاس فيها للصلاة.
قوله :﴿ مِن يَوْمِ ﴾.
« من » هذه بيان ل « إذا » وتفسير لها. قاله الزمخشري.
وقال أبو البقاء : إنها بمعنى « في » أي : في يوم، كقوله تعالى :﴿ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض ﴾ [ فاطر : ٤٠ ]، أي : في الأرض.
فصل في أول من قال أما بعد وسمى الجمعة
قال القرطبي رحمه الله تعالى : قال أبو سلمة : أول من قال : أما بعد، كعب بن لؤي وكان أول من سمى الجمعة جمعة لاجتماع قريش فيه إلى كعب، وكان يقال ليوم الجمعة : العروبة.
وقيل : أول من سماها جمعة : الأنصار.
قال ابن سيرين : جمَّع أهل « المدينة » من قبل أن يقدم النبي ﷺ المدينة، وقبل أن ننزل الجمعة، وهم الذين سموها الجمعة، وذلك أنهم قالوا : إن اليهود يجتمعون فيه في كل سبعة أيام وهو يوم السَّبت، وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد، فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوماً لنا نذكر الله فيه ونصلي فيه ونستذكر، فقالوا : يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكّرهم، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا، فذبح لهم أسعد شاةً فتعشَّوا وتغدَّوا منها لقلتهم فهذه أول جمعة في الإسلام.
وروي أنهم كانوا اثني عشر رجلاً.
وقال البيهقي : وروينا عن موسى بن عقبة عن الزهري أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة للمسلمين بالمدينة قبل أن يقدمها النبي ﷺ قال البيهقي : يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة، فأضافه كعب إليه.
وروي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب : أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحَّم لأسعد بن زرارة، فقلت له : إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة قال : لأنه أول من جمع بنا في هزم النَّبيت من حرَّة بني بياضة في بقيع يقال له : بَقِيعُ الخضمات، قلت له : كم كنتم يومئذ؟ قال : أربعين.
ذكره البغوي.
وأما أول جمعة جمعها النبي ﷺ بأصحابه، [ فقال أهل السير :« قدم رسول الله ﷺ ] مهاجراً حتى نزل ب » قباء « على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنين عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى، ومن تلك السَّنة يُعَدُّ التاريخ فأقام بها إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجداً، فجمع بهم وخطب، وهي أول جمعة خطبها بالمدينة، وقال فيها :» الحَمْدُ لِلَّهِ، أحْمَدهُ، وأسْتَعينُهُ، وأسْتَغفِرُهُ، وأسْتَهْدِي بِهِ، وأومِنُ بِهِ، ولا أكْفُرُهُ، وأعَادِي من يَكْفُرُ بِهِ، وأشْهَدُ ألا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ ورسُولهُ، أرْسلَهُ اللَّهُ بالهُدَى ودَيِنِ الحَقِّ ليظهره على الدين كله والنُّورِ والمَوعِظَةِ والحِكْمَةِ، على فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وقلَّةِ العِلْمِ وضَلالةٍ مِنَ النَّاسِ، وانقِطاعٍ مِنَ الزَّمانِ، ودُنُوٍّ مِنَ السّاعةِ، وقُرْبٍ مِنَ الأَجَلِ؛ مَن يُطِع الرَّسُول فَقَدْ رَشَدَ ومن يَعْصِي اللَّهَ ورسُولَهُ فَقَدْ غَوَى وفرَّطَ وضَلَّ ضلالاً بَعِيداً. وأوصِيكُمْ بتَقْوَى اللَّهِ فإنَّهُ خَيْرُ ما أوصيكم وخير ما أوصى بِهِ المُسْلِمُ المُسْلِمَ أنْ يَحُضَّهُ على الآخِرةِ وأنْ يأمرهُ بتَقْوَى اللَّهِ، واحْذَرُوا ما حذَّرَكُمُ اللَّهُ من نَفْسِهِ، فإنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِنْ عَمِلَ بِهِ على وجَلٍ ومخَافَةٍ من ربِّهِ عُنْوانُ صِدْقٍ عَلَى مَا تَبْغُونَ مِنَ الآخِرةِ ومَن يُصْلِح الذي بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ مِنْ أمْرِهِ في السِّرِّ والعَلانِيَةِ لا يَنْوِي بِهِ إلاَّ وجْهَ اللَّهِ يَكُنْ لَهُ ذِكْراً في عَاجل أمْرِهِ وذُخْراً فِيمَا بَعْدَ المَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ المَرْءُ إلى ما قدَّم ومَا كَانَ ممَّا سِوَى ذلك ﴿ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ والله رَؤُوفٌ بالعباد ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ].
هُوَ الَّذي صدقَ قولهُ، وأنجَزَ وعْدَهُ، لا خُلْفَ لذَلِكَ فإنَّه يقولُ :﴿ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [ سورة ق : ٢٩ ].
فاتَّقُوا اللَّهِ في عاجلِ أمْركُمْ وآجلهِ، فِي السِّرِّ والعلانيةِ، فإنَّهُ ﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ [ الطلاق : ٥ ].
ومَنَ يتَّقِ اللَّهَ فقد فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.
وإنَّ تَقْوَى اللَّهِ تُوقِي مقْتَهُ وتُوقِي عُقوبتَهُ وتُوقِي سُخْطَهُ، وإنَّ تَقْوَى اللَّه تُبَيِّضُ الوُجُوه وتُرْضي الرَّبَّ، وترفعُ الدَّرجة، فخُذُوا حِذْركُمْ ولا تُفَرِّطُوا في جَنْب اللَّهِ فقدْ عَلَّمَكُمْ في كتابهِ ونَهَجَ لَكُمْ سبيلهُ، ليَعْلَمَ الَّذينَ صَدَقُوا وليَعْلَمَ الكَاذِبِينَ، فأحْسِنُوا كَمَا أحسن اللَّهُ إليْكُمُ، وعادُوا أعْدَاءهُ، وجَاهِدُوا في اللَّهِ حقَّ جِهَادِهِ هُو اجتبَاكُمْ وسمَّاكُمُ المُسلِمينَ، ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ]، ولا حَولَ ولا قُوَّة إلاَّ باللَّهِ العليِّ العظيم، فأكْثِرُوا من ذِكْرِ اللَّهِ تعالى واعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، فإنَّه من يُصْلِحْ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ يَكْفِهِ اللَّهِ مَا بَيْنَه وبيْنَ النَّاسِ، ذلِكَ بأنَّ اللَّهِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ ولا يَقْضُون عليْهِ، ويَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ ولا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أكبرُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ «.