فصل
كان الأذان على عهد رسول الله ﷺ كما في سائر الصلوات مؤذن واحد إذا جلس النبي ﷺ على المنبر أذن مؤذن رسول الله ﷺ، وكذلك فعل أبو بكر وعمر وعلي ب « الكوفة » ثم زاد عثمان أذاناً ثانياً على داره التي تسمى الزوراء حين كثر الناس بالمدينة، فإذا سمعوا أقبلوا حتى إذا جلس عثمان على المنبر أذّن مؤذن رسول الله ﷺ ثم يخطب عثمان. أخرجه ابن ماجه في سننه.
وقال الماوردي : فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان بن عفَّان ليتأهب النَّاس لحضور الخطبة عند اتساع « المدينة » وكثرة أهلها، وقد كان عمر - رضي الله عنه - أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن بيوعهم، فإذا اجتمعوا أذن في المسجد فجعله عثمان - رضي الله عنه - أذانين في المسجد.
قال ابن العربي : وفي الحديث الصحيح : أن الأذان كان على عهد رسول الله ﷺ واحداً، فلما كان زمن عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء، وسماه في الحديث : ثالثاً، لأنه إضافة إلى الإقامة، لقوله - ﷺ - :« بَيْنَ كُلِّ أذَانَينِ صلاةٌ لِمن شَاءَ » يعني الأذان والإقامة.
وتوهّم بعض الناس أنه أذان أصلي، فجعلوا المؤذنين ثلاثة، فكان وَهْماً، ثم جمعوهم في وقت واحد فكان وهماً على وهم.
قوله :﴿ فاسعوا إلى ذِكْرِ الله ﴾.
قيل : المراد بالسعي هنا القصد. قال الحسن : والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية.
وقال الجمهور : السعي العمل كقوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [ الإسراء : ١٩ ]، وقوله :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ [ من سورة الليل : ٤ ]، وقوله :﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى ﴾ [ النجم : ٣٩ ].
والمعنى : فاعملوا على المضي إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والطهر والتوجه إليه.
وقيل : المراد به السعي على الأقدام، وذلك فضل، وليس بشرط، لقوله - ﷺ - :« مَن اغْبرَّتْ قَدمَاهُ في سبيل اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلى النَّارِ ».
قال القرطبي :« ويحتمل ظاهره وجهاً رابعاً، وهو الجري والاشتداد ».
قال ابن العربي : وهو الذي أنكره الصَّحابة والفقهاء الأقدمون، فقرأها عمر - رضي الله عنه - :﴿ فامضُوا إلى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ فرارا عن طريق الجري والاشتداد الذي يدل عليه الظاهر.
وقرأ ابن مسعود كذلك، وقال : لو قرأت :« فاسْعَوا » لسعيت حتى يسقط ردائي.