﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ ﴾ [ التوبة : ٧٤ ].

فصل في نص اليمين


قال القرطبي :« من قال : أقسمُ باللَّهِ، وأشهد بالله، أو أعزم بالله، أو أحلف بالله، أو أقسمت بالله، أو شهدت، أو عزمت، أو حلفت، وقال في ذلك كله :» بالله « فلا خلاف أنها يمينٌ، وكذلك عند مالكٍ وأصحابه أن من قال : أقسمُ، أو أشهد، أو أعزم، أو أحلف، ولم يقل » بالله « إذا أراد » بالله «، وإن لم يرد » بالله « فليس بيمين ».
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال : أشهد بالله لقد كان كذا كان يميناً، ولو قال : أشهد لقد كان كذا - دون النية - كان يميناً لهذه الآية؛ لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾.
وعند الشافعي : لا يكون ذلك يميناً وإن نوى اليمينَ؛ لأنَّ قوله تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ ليس يرجعُ إلى قوله :« قالوا : نَشهدُ »، وإنما يرجعُ إلى ما في براءة من قوله تعالى :﴿ يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ ﴾.
قوله :﴿ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ﴾.
أي : أعرضوا، وهو من الصُّدود، أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حدود الله عليهم من القَتْل، والسبي، وأخذ الأموال، فهو من الصَّدِّ، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا أو يقتدي بهم غيرهم.
وقيل : فصدوا اليهود والمشركين عن الدُّخول في الإسلام بأن يقولوا : ها نحن كافرون بهم، ولو كان ما جاء به محمد حقًّا لعرف هذا منا، ولجعلنا نكالاً، فبيَّن الله أنَّ حالهم لا يخفى عليه، ولكن حكمه أن من أشهر [ الإيمان ] أجري عليه في الظَّاهر حكم الإيمان.
قوله :﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾.
أي : سيئت أعمالهم الخبيثةُ في نفاقهم، وأيمانهم الكاذبةِ، وصدِّهم عن سبيل الله. و « ساء » يجوز أن تكون الجارية مجرى « بِئْسَ »، وأن تكون على بابها، والأول أظهر وقد تقدم حكم كل منهما.
فإن قيل : إنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل، ولم يقل : إنَّهم ساء ما كانوا يعملون؟.
قال ابن الخطيب : والجواب أن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جُنَّة أي : سُترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون.
قوله :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا ﴾.
هذا إعلامٌ من الله بأن المنافقين كفار، إذْ أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب.
وقيل : نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا ﴿ فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ ﴾ أي ختم عليها بالكفر ﴿ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ الإيمان ولا الخير.
وقرأ العامَّةُ :« فَطُبِعَ » مبنياً للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار بعده.
وزيد بن علي :« فَطَبَعَ » مبنياً للفاعل.
وفي الفاعل وجهان :
أحدهما : أنه ضمير عائد على الله تعالى، ويدل عليه قراءة الأعمشِ، وقراءته في رواية عنه :« فَطَبَعَ اللَّهُ » مُصرحاً بالجلالة الكريمة.


الصفحة التالية
Icon