وكذلك نقله القرطبي عن زيد بن علي.
فإن قيل : إذا كان الطَّبْع بفعل الله - تعالى - كان ذلك حجة لهم على الله تعالى فيقولون : إعراضنا عن الحق لغفلتنا بسبب أنه - تعالى - طبع على قلوبنا؟.
فأجاب ابن الخطيب : بأن هذا الطبع من الله - تعالى - لسوء أفعالهم، وقصدهم الإعراض عن الحق فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وغوايتهم الباطلة.
والثاني : أن الفاعل ضميرٌ يعودُ على المصدر المفهوم مما قبله، أي : فطبع هو أي بلعبهم بالدين.
قوله :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾.
أي : هيئاتهم، ومناظرهم، ﴿ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ يعني : عبد الله بن أبي وقال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيماً جسيماً صحيحاً صبيحاً ذلق اللسان، فإذا قال، سمع النبي ﷺ مقالته، وصفه الله بتمامِ الصُّورةِ وحسن الإبانةِ.
وقال الكلبي : المراد ابن أبي وجدُّ بن قيس ومعتِّب بن قشير، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة.
وفي صحيح مسلم : وقوله :﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾. كانوا رجالاً [ أجمل ] شيء كأنهم خشبٌ مسنَّدةٌ شبههم بخشب مسندة إلى الحائطِ لا يسمعون ولا يعقلون أشباحٌ بلا أرواحٍ، وأجسامٌ بلا أحلامٍ.
وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها.
قال الزمخشري : شبهوا في استنادهم بالخشب المسندة إلى حائط؛ لأنهم أجرام خاليةٌ عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار، أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به فأسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان.
فصل في قراءة خشب
قرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي :« خُشْبٌ » بإسكان الشين. وهي قراءة البراء بن عازب، واختيارُ عُبيدٍ.
لأنَّ واحدتها خشبة كما تقول : بدنة وبُدْن. قاله الزمخشري.
وقال أبو البقاء : و « خُشبٌ » - بالإسكان والضم - جمع خَشَب، مثل : أَسَد وأُسْد.
قال القرطبي : وليس في اللغة :« فَعَلَة » يجمع على « فُعُل »، ويلزم من ثقلها أن تقول :« البُدُن » فتقرأ :« والبُدُنَ »، وذكر اليزيدي أنه جمع الخشباءِ، كقوله تعالى :﴿ وَحَدَآئِقَ غُلْباً ﴾ [ عبس : ٣٠ ] واحدتها : حديقة غلباء.
وقرأ الباقون من السبعة : بضمتين.
وقرأ سعيد بن جبير، وابن المسيب : بفتحتين.
ونسبها الزمخشري لابن عبَّاس، ولم يذكر غيره.
فأما القراءة - بضمتين - فقيل : يجوز أن تكون جمع خشبة، نحو : ثمرة وثُمُر. قاله الزمخشري.
وفيه نظر؛ لأن هذه الصيغة محفوظة في « فَعَلَة » لا ينقاس نحو : ثَمَرَة وثُمُر.
ونقل الفارسي عن الزبيدي :« أنه جمع : خَشْبَاء، وأخْشِبَة » غلط عليه؛ لأنه قد يكون قال :« خُشْب » - بالسكون - جمع « خَشْبَاء » نحو :« حَمْرَاء وحُمْر » لأن « فَعْلاء » الصفة لا تجمع على « فُعُل » بضمتين، بل بضمة وسكون.