والصحيح تناوله للواجب من الإنفاق بالإجماع أو بنصّ القرآن؛ لأن ما عدا ذلك لا يتحقق فيه الوعيدُ «.
قوله :﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾.
نصب على جواب [ التمني ] في قوله :﴿ لولا أخرتنيا ﴾.
وقرأ أبي وعبد الله وابن جبير :»
فأتَصَدَّقَ «، وهي أصل قراءة العامة ولكن أدغمت الفاء في الصاد.
قوله :»
وأكُنْ «.
قرأ أبو عمرو :»
وأكونَ « بنصب الفعل عطفاً على » فأصَّدَّقَ «.
والباقون :»
وأكُنْ « مجزوماً، وحذفت الواوُ لالتقاءِ الساكنين.
واختلف عباراتُ الناس في ذلك.
فقال الزمخشري :»
عطفاً على محل « فأصَّدَّقَ » كأنَّه قيل : إنْ أخَّرتني أصَّدقْ وأكُنْ «.
وقال ابن عطية :»
عطفاً على الموضع : لأنَّ التقدير : إن أخرتني أصَدقْ وأكُنْ، وهذا مذهب أبي علي الفارسي «.
وقال القرطبي :»
عطلفٌ على موضع الفاء، لأن قوله :« فأصدق » لو لم تكن الفاء لكان مجزوماً، أي « أصَّدَّقْ »، ومثله :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ] فيمن جزم.
فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غيرُ هذا، وهو أنه جزمٌ على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولا موضع له هنا لأنَّ الشرط ليس بظاهر، وإنما يعطف على الموضع بحيث يظهرُ الشرطُ، كقوله :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ] فمن جزم عطفه على موضع ﴿ فلا هَادِي لَه ﴾ ؛ لأنه لو وقع موقعه فعل لانجزم « انتهى.
وهذا الذي نقله سيبويه هو المشهور عند النحويين.
ونظَّر ذلك سيبويه بقول زهير رحم الله المؤمنين :[ الطويل ]

٤٧٧٧ - بَدَا لِيَ أنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى ولا سَابِقٍ شَيْئاً إذَا كَانَ جَائِيَا
فخفض » ولا سابقٍ « عطفاً على » مدركٍ « الذي هو خبرُ » ليس « على توهم زيادة الباء فيه قد كثر جرّ خبرها بالباء المزيدةِ، وهو عكسُ الآية الكريمة؛ لأنه في الآيةِ جزم على توهُّم سقوطِ الفاءِ، وهنا خفض على توهُّم وجود الباء، ولكن الجامع توهم ما يقتضي جواز ذلك.
قال شهاب الدين :»
ولكني لا أحب هذا اللفظ مستعملاً في القرآن الكريم، فلا يقال : جزم على التوهم لقبحه لفظاً «.
وقال أبو عبيد : رأيت في مصحف عثمان »
أكن « بغير واو.
وقد فرق أبو حيان بين العطف على الموضع والعطف على التوهم فقال :»
الفرقُ بينهما أنَّ العامل في العطف على الموضع موجودٌ، وأثره مفقودٌ، والعامل في العطفِ على التوهم مفقود، وأثره موجود «. انتهى.
قال شهاب الدين :»
مثال الأول « هذا ضارب زيد وعمراً » فهذا من العطف على الموضع فالعامل وهو « ضارب » موجود، وأثره وهو النصب مفقود، ومثال الثاني ما نحن فيه، فإن العامل للجزم مفقود وأثره موجود، وأصرحُ منه بيتُ زهيرٍ، فإن الباء مفقودةٌ وأثرُها موجود، ولكن أثرها إنما ظهر في المعطوفِ لا في المعطوفِ عليه، وكذلك في الآية الكريمة، ومن ذلك أيضاً بيت امرىء القيس :[ الطويل ]


الصفحة التالية
Icon