قوله :﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ ﴾.
الخطاب لقريش، أي : ألم يأتكم خبر كُفَّار الأمم السالفة ﴿ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ أي : عوقبوا ﴿ وَلَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي : مُؤلم.
قوله :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُ ﴾
الهاء للشأن والحديث، و ﴿ كَانَت تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُم ﴾ : خبرها، ومعنى الإشارة أي : هذا العذاب لهم بكفرهم بالرسل تأتيهم بالبينات، أي : بالدلائل الواضحة.
قوله :﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾.
يجوز أن يرتفع « بشر » على الفاعلية، ويكون من الاشتغال، وهو الأرجح، لأن الأداة تطلب الفعل، وأن يكون مبتدأ وخبراً.
وجمع الضمير في « يَهْدُونَنَا » إذ البشر اسم جنس.
أنكروا أن يكون الرسول من البشر.
وقد يأتي الواحد بمعنى الجمع، فيكون اسماً للجنس، وقد يأتي الجمع بمعنى الواحد كقوله تعالى :﴿ مَا هذا بَشَراً ﴾ [ يوسف : ٣١ ].
قوله :« فَكَفَرُوا » أي : بهذا القول إذ قالوه استصغاراً، ولم يعلموا أن الله يبعث من يشاء إلى عباده.
فصل
فإن قيل : قوله « فَكَفَرُوا » يفهم منه التولي، فما الحاجة إلى ذكره؟ فالجواب : قال ابن الخطيب : إنهم كفروا وقالوا :﴿ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾ وهذا في معنى الإنكار والإعراض بالكلية، وهذا هو التولي، فكأنهم كفروا وقالوا قولاً يدلّ على التولي، فلهذا قال :﴿ فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ ﴾.
وقيل : كفروا بالرسل وتولوا عن البرهان وأعرضوا عن الإيمان والموعظة.
قوله :﴿ واستغنى الله ﴾ استغنى بمعنى المجرد.
وقال الزمخشري :« ظَهَر غناه »، فالسين ليست للطلب.
قال مقاتل : استغنى الله، أي : بسلطانه عن طاعة عباده.
وقيل : استغنى الله، أي : بما أظهره لهم من البرهان، وأوضحه لهم من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد، وتعود إلى الهداية ﴿ والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ غنيٌّ عن خلقه حميد في أفعاله.
فإن قيل : قوله :﴿ وَتَوَلَّواْ واستغنى الله ﴾ يوهم وجود التولّى والاستغناء معاً، والله تعالى لم يزل غنيًّا؟.
فأجاب الزمخشري : بأن معناه أنه ظهر استغناء الله حيث لم يلجئهم إلى الإيمان ولم يضطرهم إليه مع قدرته على ذلك.
ثم أخبر عن إنكارهم للبعث فقال - تعالى - :
﴿ زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ ﴾ أي : ظنوا، والزعم هو القول بالظن.
وقال الزمخشري : الزعم ادِّعاء العلم، ومنه قوله - ﷺ - :« زَعَمُوا مطيَّة الكَذِب ».
وقال شريح : لكل شيء كنية وكنية الكاذب زعموا.
وقيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب كما تقدم في آخر سورة « مريم » ثم عمّت كل كافر.
قوله :﴿ أَن لَّن يُبْعَثُواْ ﴾.
« أن » مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله، و « أن » وما في خبرها سادة مسدَّ المفعولين للزعم أو المفعول.
قوله :« بَلَى » إيجاب للنفي، و « لتُبْعثُنَّ » جواب قسم مقدر، أي : لتخرجن من قبوركم أحياء، « ثُمَّ لتُنَبَّؤُنَّ » لتخبرن « بِمَا عَمِلْتُمْ » أي : بأعمالكم، ﴿ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ ﴾ إذ الإعادة أسهل من الابتداء.