فإن قيل : كيف يفيد القسم في إخباره عن البعث وهم قد أنكروا الرسالة؟.
قال ابن الخطيب : والجواب : أنهم أنكروا الرسالة لكنهم يعتقدون أنه يعتقد ربه اعتقاداً جازماً لا مزيد عليه فيعلمون أنه لا يقدم على القسم بربه إلا وأن يكون صدق هذا الإخبار عنده أظهر من الشمس في اعتقاده ثم إنه أكد الخبر باللام والنون فكأنه قسم بعد قسم.
ثم إنه تعالى لما أخبر عن البعث، والاعتراف بالبعث من لوازم الإيمان، قال :﴿ فآمنوا بالله ورسوله ﴾ وهذا يجوز أن يكون صلة لما تقدم؛ لأنه تعالى ذكر ما نزل من العقوبة بالأمم الماضية، وذلك لكفرهم بالله، وتكذيبهم للرسل فقال « فآمِنُوا » أنتم « باللَّه ورسُولِهِ » لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة.
وقال القرطبي : قوله :﴿ فآمنوا بالله ورسوله ﴾ أمرهم بالإيمان بعد أن عرفهم قيام الساعة ﴿ والنور الذي أنزلنا ﴾ وهو القرآن لأنه نور يهتدى به من ظلمة الضلال كما يهتدى بالنور في الظلمات.
فإن قيل : هلا قيل : ونوره بالإضافة كما قال : ورسوله؟.
فالجواب : إن الألف واللام في النور بمعنى الإضافة، فكأنه قال : ورسوله ونوره، ثم قال :﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ أي : بما تسرّون وما تعلنون فراقبوه في السر والعلانية.
قوله :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ ﴾. منصوب بقوله :« لتُنبَّؤنَّ » عند النحاس، وب « خَبِير » عند الحوفي، لما فيه من معنى الوعيد، كأنه قال : والله يعاقبكم يوم يجمعكم.
وب « اذكر » مضمراً عند الزمخشري، فيكون مفعولاً به.
أو بما دلّ عليه الكلام، أي يتفاوتون يوم يجمعكم. قاله أبو البقاء.
وقرأ العامَّة :« يَجْمعُكُمْ » بفتح الياء وضم العين.
ورُوِي سكونُها وإشمامها عن أبي عمرو، وهذا منقول عنه في الراء نحو « ينصركُمْ » وبابه كما تقدم في البقرة.
وقرأ يعقوب وسلام وزيد بن علي والشعبي ونصر وابن أبي إسحاق والجحدري :« نَجْمعُكُمْ » بنون العظمة، اعتباراً بقوله :﴿ والنور الذي أَنزَلْنَا ﴾. والمراد ب « يَوْمَ الجَمْعِ » أي : يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين والإنس والجن وأهل السماء وأهل الأرض.
وقيل : يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله.
وقيل : يجمع فيه بين الظالم والمظلوم.
وقيل : يجمع فيه بين كل نبي وأمته.
وقيل : يجمع فيه ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي.
قوله :﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التغابن ﴾.
« التَّغَابُن » تفاعل من الغبن في البيع والشراء على الاستعارة، وهو أخذ الشيء بدون قيمته.
وقيل : الغبن : الإخفاء، ومنه غبن البيع لاستخفائه، والتفاعل هنا من واحد لا من اثنين.
ويقال : غبنت الثوب وخبنته، أي : أخذت ما طال منه من مقدارك : فهو نقص وإخفاء.