فصل في الرجعية والمبتوتة.


والرجعية والمبتوتة في هذا سواء، وذلك لصيانة ماء الرجل، وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى :﴿ واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٢٤ ]، وقوله تعالى :﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ] فهو إضافة إسكان لا إضافة تمليك، وقوله ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ ﴾ يقتضي أن يكون حقًّا على الأزواج، وقوله :﴿ ولا يخرجن ﴾ يقتضي أنه حق على الزوجات، فلا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض عدتها، فإن خرجت لغير ضرورة أو حاجة أثمت، فإن وقعت ضرورة أو خافت هدماً أو غرقاً، فلها أن تخرج إلى منزل آخر، وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غَزْل أو شراء قطن، فيجوز لها الخروج نهاراً ولا يجوز ليلاً؛ فإن رجالاً استشهدوا ب « أحد »، فقالت نساؤهم : نستوحش في بيوتنا فإذِنَ لهن النبي ﷺ أن يتحدثن عند إحداهن، فإذا كان وقت الليل تأوي كل امرأة إلى بيتها.
وأذن النبي ﷺ لخالة جابر لما طلقها زوجها أن تخرج لجداد نخلها.
وإذا لزمتها العدة في السفر تعتد ذاهبة وجائية، والبدوية تَنْتَوي حيث يَنْتَوي أهلها في العدة، لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم.
وقال أبو حنيفة : ذلك في المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلاً ولا نهاراً. وهذا مردود بحديث فاطمة بنت قيس « لما قدمت أرسل زوجها أبو حفص بن عمرو بتطليقة كانت بقيت من طلاقها، وأرسل إليها وكيله بشير فسخطته، فقال لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة : والله ما لك من نفقة إلا أن تكوني حاملاً، فأتت النبي ﷺ فذكرت له قولهما، فقال : لا نفقة لك »، وفي رواية :« ولاَ سَكَنَ »، فاستأذنت في الانتقال، فأذن لها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، فلما انقضت عدتها أنكحها النبي ﷺ أسامة بن زيد، فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث، فحدثته، فقال مروان : لم نسمع بهذا الحديث إلا من امرأة سنأخذ بالعصْمَةِ التي وجدنا النَّاس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان : فبيني وبينكم القرآن، قال الله تعالى :﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾، قالت : هذا لما كانت له رجعة، لقوله :﴿ لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً ﴾، فأي أمر يحدث بعد الثَّلاث؟ فكيف تقولون :« لا نَفقَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ حامِلاً، فعلام تَحبسُونهَا » لفظ مسلم.
فبين أن الآية في تحريم الإخراج، والخروج إنما هو في الرجعية.
فاستدلّت فاطمة أن الآية إنما تضمنت النهي عن خروج المطلقة الرجعية لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في ارتجاعها ما دامت في عدتها فكانت تحت تصرف الزوج في كل وقت.
وأما البائن فليس له شيء في ذلك، فيجوز أن تخرج إذا دعتها لذلك حاجة.


الصفحة التالية
Icon