قوله :﴿ مِثْلَهُنَّ ﴾. قرأ العامَّة : بالنصب، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على سبع سموات. قاله الزمخشري.
واعترض عليه أبو حيَّان بلزوم الفصل بين حرف العطف، وهو على حرف واحد وبين المعطوف بالجار والمجرور، وهو مختص بالضرورة عند أبي علي.
قال شهاب الدين : وهذا نظير قوله :﴿ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً ﴾ [ البقرة : ٢٠١ ] عند ابن مالك، وتقدم تحريره في سورة البقرة والنساء، وهو عند قوله :﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس ﴾ [ النساء : ٥٨ ]، ﴿ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [ هود : ٧١ ].
والثاني : أنه منصوب بمقدر بعد الواو، أي : خلق مثلهن من الأرض.
واختلف الناس في المثليَّة.
فقيل : مثلها في العدد.
وقيل : في بعض الأوصاف؛ فإن المثليَّة تصدق بذلك، والأول المشهور.
وقرأ عاصم في رواية :« مثلُهنَّ » بالرفع على الابتداء، والجار قبله خبره.
قوله :﴿ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ ﴾.
يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون نعتاً لم قبله. قاله أبو البقاء.
وقرأ أبو عمرو في رواية، وعيسى :« يُنَزِّلُ » بالتشديد، أي : الله، « الأمْرَ » مفعول به. والضميرُ في « بَيْنَهُنَّ » عائد على « السَّماواتِ والأرضين » عند الجمهور، أو على السمواتِ والأرض عند من يقول : إنها أرض واحدة.
وقوله :﴿ لتعلموا ﴾ : متعلق ب « خَلَقَ » أو ب « يَتَنَزَّل ».
والعامة :« لتعْلَمُوا » بتاء الخطاب، وبعضهم بياء الغيبة.

فصل في تفسير الآية


قال مجاهدٌ : يتنزل الأمرُ من السماوات السبع إلى الأرضين السبع.
وقال الحسنُ : بين كل سماءين أرض وأمر.
والأمر هنا الوحي في قول مقاتل وغيره، وعلى هذا يكون « بَيْنَهُنَّ » إشارة إلى بين هذه الأرض العليا التي هي أدناها، وبين السابعة التي هي أعلاها.
وقيل : الأمر هنا القضاء والقدر، وهو قول الأكثرين، فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى :﴿ بَيْنَهُنَّ ﴾ إشارة إلى ما بين الأرض السُّفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها.
وقيل :﴿ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ ﴾ بحياة بعض، وموت بعض، غِنَى قوم، وفقر قوم.
وقيل : ما يُدَبِّرُ فيهن من عجيب تدبيره، فينزل المطرُ، ويخرج النبات، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء، ويخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها وهيئاتها فينقلهم من حال إلى حال.
قال ابن كيسان : وهذا على اتساعِ اللغةِ، كما يقال للموت : أمر اللَّهِ، وللريح والسَّحاب ونحوهما.
قال قتادةُ : في كل أرض من أرضه، وسماء من سمائه خلق من خلقه، وأمر من أمره وقضاء من قضائه.
﴿ لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، أي : من قدر على هذا الملك العظيم، فهو على ما بينهما من خلقه أقدر من العفو، والانتقام أمكنُ، وإن استوى كل ذلك في مقدوره ومكنته، ﴿ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا ﴾، فلا يخرج شيء عن علمه وقُدرته.
ونصب « عِلْماً » على المصدر المؤكد؛ لأن « أحَاطَ » بمعنى « عَلِمَ ».
وقيل : بمعنى : وأن الله أحاط إحاطة.
روى الثعلبيُّ عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله :ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورَةَ ﴿ ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء ﴾ ماتَ علَى سُنَّةِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ ».


الصفحة التالية
Icon