قوله تعالى :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ ؟.
قال ابن الخطيب : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها، وذلك لاشتراكهما في الأحكام المخصوصة بالنساء، واشتراك الخطاب في الطلاق في أول تلك السورة يشترك مع الخطاب بالتحريم في أول هذه السورة؛ لأن الطلاق في أكثر الصور يشتمل على تحريم ما أحل الله.
وأما تعلّق أول هذه السورة بآخر السورة فلأن المذكور في آخر تلك السورة يدلّ على عظمة حضرة الله تعالى وعلى كمال قدرته وعلمه، ولما كان خلق السماوات والأرض، وما بينهما من العجائب والغرائب مما ينافي القدرة على تحريم ما أحلّ الله، فلهذا قال :﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾.
فصل في سبب نزول الآية
ثبت في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - « أن النبي ﷺ كان يمكثُ عند زينب بنت جحش، فيشرب عندها عسلاً، قالت : فتواطأت أنا وحفصة أنَّ أيّتنا دخل النبي ﷺ عليها فلتقل : إني أجد ريح مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال : بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزل :﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ إِن تَتُوبَآ ﴾ لعائشة وحفصة ».
وعنها أيضاً قالت :« كان رسول الله ﷺ يحب الحلواء والعسل، فكان إذا صلَّى العصر دار على نسائه، فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فسألت عن ذلك، فقيل لي : أهدتْ لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت منه رسول الله ﷺ شربة، فقلت : أما - والله - لنحتالن له، فذكرت ذلك لسَوْدَة، وقلت إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له : يا رسول الله، أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك : لا، فقولي له : ما هذه الريحُ، وكان رسول الله ﷺ يشتد عليه أن يوجد منه الريح؛ فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسلٍ، فقولي : جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرفُطَ، وسأقول ذلك له، وقوليه أنت يا صفيةُ، فلما دخل على سودة قالت سودة : والذي لا إله إلا هو، لقد كدت أن أبادئه بالذي قالت لي، وإنه لعلى الباب، فرقاً منك، فلما دنا رسول الله ﷺ قلت : يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال : لا، قلت : فما هذه الريح؟ قال : سقتني حفصة شربة عسل، قالت : جَرسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ، فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك، ثم دخل على صفيّة، فقالت مثل ذلك، فلما دخل على حفصة، قالت له : يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال : لا حاجة لي به، قالت : تقول سودة : سبحان الله، لقد حرمناه، قالت : قلت لها : اسكتي ».