ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها النبي ﷺ العسل حفصة، وفي الأولى زينب.
وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس : أنه شربه عند سودة.
وقد قيل : إنما هي أمّ سلمة، رواه أسباط عن السديِّ.
وقال عطاء بن أبي مسلم.
قال ابن العربي :« وهذا كله جهل، أو تصور بغير علمٍ ».
فقال باقي نساه حسداً وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير.
والمغافير : بقلة أو صمغة متغيّرة الرائحة، فيها حلاوة، واحدها : مغفور.
وجَرَسَتْ : أكلت، والعُرْفُطُ : نبت له ريح كريح الخمرِ.
وكان - ﷺ - يعجبه أن يوجد منه الريح الطيبة، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك.
وقال ابن عبَّاس : أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي ﷺ فلم يقبلها، والمرأة أم شريك، قاله عكرمة.
وقيل : إن التي حرّم مارية القبطية، وكان قد أهداها له المقوقس ملك « الإسكندرية ».
قال ابنُ إسحاق : هي من كورة « أنْصِنا » من بلد يقال له :« حفْن »، فواقعها في بيت حفصة.
روى الدارقطني عن ابن عباسٍ عن عمر رضي الله عنهم قال :« دخل رسولُ الله ﷺ بأم ولده، مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها، فقالت له : تدخلها بيتي؟ ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك، فقال لها : لا تذكري هذا لعائشة، فهي عليّ حرام إن قربتها، قالت حفصة : فكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟ فحلف لها ألا يقربها، فقال النبي ﷺ :» لا تَذْكُرِيهِ لأَحدٍ «، فذكرته لعائشة، فآلى لا يدخل على نسائه شهراً، فاعتزلهن تسعاً وعشرين ليلةً، فأنزل الله تعالى :﴿ ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ » الآية.
قال القرطبي : أصح هذه الأقوال أولها، وأضعفها أوسطها.
قال ابن العربي :« أما ضعفه في السند، فلعدم عدالة رواته، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي ﷺ الموهوبة ليس تحريماً لها؛ لأن من رد ما وُهِبَ له لم يَحْرُمْ عليه، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل، وأما ما روي أنه حرم مارية القبطية، فهو أمثل في السند، وأقرب إلى المعنى، لكنه لم يدون في الصحيح بل روي مرسلاً، وإنما الصحيح أنه كان في العسل، وأنه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة، فحلف أن لا يشربه، وأسر ذلك، ونزلت الآية في الجميع ».

فصل في هل التحريم يمين؟


قوله تعالى :﴿ لِمَ تُحرِّمُ ﴾ إن كان النبي ﷺ حرم ولم يحلف، فليس ذلك بيمين، ولا يحرم قول الرجل :« هذَا عليَّ حَرامٌ » شيئاً، حاشا الزوجة.


الصفحة التالية
Icon