قوله :﴿ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾.
﴿ فَرَضَ الله لَكُمْ ﴾ أي : بيَّن لكم، كقوله تعالى :﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ [ النور : ١ ] وقيل : قد أوجب الله.
وقال صاحب « النظم » : إذا وصل « فَرَضَ » ب « عَلَى » لم تحتمل غير الإيجاب كقوله :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ]، وإذا وصل باللام احتمل الوجهين.
قوله :﴿ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾.
تحليل اليمين كفَّارتها، أي : إذا أحللتم استباحة المحلوف عليه، وهو قوله تعالى في سورة « المائدة » :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ [ الآية : ٨٩ ].
قال القرطبيُّ : وتحصل من هذا أن من حرم شيئاً من المأكول، أو المشروب لم يحرم عليه؛ لأن الكفارة لليمين لا للتحريم، وأبو حنيفة يراه يميناً في كل شيءٍ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرم، فإذا حرم طعاماً فقد حلف على أكله، أو أمة فعلى وطئها، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية، وإن نوى الظهار فظهار، وإن نوى الطلاق فطلاق بائنٌ، وكذلك إن نوى ثنتين أو ثلاثاً، وإن قال : نويتُ الكذب دينَ فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء، وإن قال : كل حلال عليه حرام، فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى، ولا يراه الشافعي يميناً، ويكون في الكفارة وجهان :
قوله :﴿ تَحِلَّةَ ﴾.
مصدر « حَلّل » مضعفاً، نحو « تكرمة »، وهذان ليسا [ مقيسين ]، فإن قياس مصدر « فَعَّلَ » « التفعيل » إذا كان صحيحاً غير مهموزٍ.
فأما المعتل اللام نحو « زكَّى » ومهموزها نحو :« نبَّأ » فمصدرهما « تَفْعِلَةٌ » نحو :« تَزْكِيَةٌ، وتَنْبِئَةٌ ».
على أنه قد جاء « التفعيل » كاملاً في المعتل، نحو :[ الرجز ]
٤٧٨٤ - بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيَّا... وأصلها :« تَحْلِلَة » ك « تَكْرِمَة » فأدغمت، وانتصابها على المفعول به.
فصل في تكفير النبي عن هذه اليمين
قيل : إن النبي ﷺ كفر عن يمينه.
وقال الحسنُ : لم يكفر، لأن النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر.
وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة، والأول أصح، وأن المراد بذلك النبي ﷺ، ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك، وقد تقدم عن زيد بن أسلم أنه - ﷺ - كفر بعتق رقبةٍ.
وعن مقاتل : أن رسول الله ﷺ أعتق رقبةً في تحريم مارية. والله أعلم.
فصل في الاستثناء في المين
قبل : قد فرض الله لكم تحليل ملك اليمين، فبين في قوله تعالى :﴿ مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ]، أي : فيما شرعه له في النساء المحللات، أي : حلل لكم ملك اليمين، فلم تحرم مارية في نفسك مع تحليل الله إياها لك.