فصل في نزول الآية


قال المفسرون : إنه أسرَّ إلى حفصة شيئاً فحدثت به غيرها، فطلقها مجازاة على بعضه، ولم يؤاخذها بالباقي، وهو من قبيل قوله تعالى :﴿ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ] أي : يجازيكم عليه، وقوله :﴿ أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ [ النساء : ٦٣ ]، وإنما اضطررنا إلى هذا التأويل؛ لأن الله - تعالى - أطلعه على جميع ما أنبأت به غيرها؛ لقوله تعالى :﴿ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ ﴾.
وقرأ عكرمة :« عَرَّافَ » بألف بعد الراء.
وخرجت على الإشباع، كقوله :[ الرجز ]
٤٧٨٥ - أعُوذُ باللَّهِ مِنَ العَقْرَابِ... وقيل : هي لغة يمانية، يقولون :« عراف زيد عمراً ».
وإذا ضمنت هذه الأفعال الخمسة معنى « أعلم » تعدت لثلاثة.
وقال الفارسي :« تعدَّت بالهمزة أو التضعيف ».
وهو غلط، إذا يقتضي ذلك أنها قبل التضعيف، والهمزة كانت متعدية لاثنين، فاكتسبت بالهمزة، أو التضعيف ثالثاً، والأمر ليس كذلك اتفاقاً.

فصل في تفسير الآية


قال السديُّ : عرف بعضه، وأعرض عن بعض تكرماً.
وقال الحسنُ : ما استقصى كريم قط، قال الله تعالى :﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ﴾.
وقال مقاتل : يعني أخبرها ببعض ما قالت لعائشة، وهو قول حفصة لعائشة : إن أبا بكرٍ وعمر سيملكان بعده.
قال المفسرون : إن النبي ﷺ جازى حفصة، بأن طلقها طلقة واحدة، فلما بلغ ذلك عمر، فقال عمر : لو كان في آل الخطاب خير لما كان رسول الله ﷺ طلقك، فأمره جبريل بمراجعتها، وشفع فيها، واعتزل النبي ﷺ نساءه شهراً، وقعد في مشربة مارية أم إبراهيم، حتى نزلت آية التخيير كما تقدم.
وقيل : هم بطلاقها، حتَّى قال له جبريل : لا تطلقها، فإنها صوَّامة قوَّامة، وإنها من نسائك في الجنة، فلم يطلقها.
قوله :﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾، أي : أخبر حفصة بما أظهره الله عليه، قالت :﴿ مَنْ أَنبَأَكَ هذا ﴾ يا رسول الله عني، فظنت أن عائشة أخبرته، فقال - عليه السلام - :﴿ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير ﴾ الذي لا يخفى عليه شيء. وقيل : إن النبي ﷺ لما رأى الكراهية في وجه حفصة حين رأته مع مارية أراد أن يتراضاها فأسرَّ إليها شيئين : تحريم الأمة على نفسه، وتبشيرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وفي أبيها عمر، فأخبرت حفصة بذلك عائشة، وأطلع اللَّهُ نبيه عليه فعرف حفصة، وأخبرها بما أخبرت به عائشة، وهو تحريم الأمة ﴿ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ﴾ يعني عن ذكر الخلافة، كره رسولُ الله ﷺ أن ينشر ذلك بين الناس، ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾ أي : أخبر حفصة بما أظهره اللَّهُ عليه، قالت حفصة :﴿ مَنْ أَنبَأَكَ هذا ﴾ أي : من أخبرك بأني أفشيت السِّرَّ؟ « قال :﴿ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير ﴾ ».


الصفحة التالية
Icon