قال ابن الخطيب : وصفه بكونه خبيراً بعدما وصفه بكونه عليماً لما أنّ في الخبير من المبالغة ما ليس في العليم.
قوله :﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى الله ﴾.
شرط في جوابه وجهان :
أحدهما : هو قوله :﴿ فَقَدْ صَغَتْ ﴾.
والمعنى : إن تتوبا فقد وجد منكما ما يوجب التَّوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله ﷺ في حب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه.
و « صَغَتْ » مالت وزاغت عن الحق.
ويدل له قراءة ابن مسعود :« فقد زاغت ».
قال القرطبيُّ :« وليس قوله ﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ جزاء للشرط؛ لأن هذا الصغو كان سابقاً، فجواب الشرط محذوف للعلم به، أي : إن تتوبا كان خيراً لكما؛ إذ قد صغت قلوبكما ».
والثاني : أن الجواب محذوف، وتقديره : فذلك واجب عليكما، أو فتاب الله عليكما قاله أبو البقاء، ودلّ على المحذوف ﴿ فَقَدْ صَغَتْ ﴾ ؛ لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب.
قال شهاب الدين :« وكأنه زعم أن ميل القلب ذنب، وكيف يحسن أن يكون جواباً وقد غفل عن المعنى المصحح لكونه جواباً ».
وقوله :﴿ قُلُوبُكُمَا ﴾ من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالاً لمجيء تثنيتين لو قيل :« قَلبَاكُمَا »، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما؛ لأنه لا يشكل. وقد تقدم هذا في آية السرقة في المائدة.
ومن مجيء التثنية قوله :[ الكامل ]
٤٧٨٦ - فَتَخَالسَا نَفْسَيْهِمَا بنَوافِذٍ | كنَوافِذِ العُبُطِ الَّتِي لا تُرْقَع |
وقال ابن عصفور، لا يجوز الإفراد إلاَّ في ضرورة؛ كقوله :[ الطويل ]
٤٧٨٧ - حَمَامَةَ بَطْنِ الواديَيْنِ تَرَنَّمِي | سَقاكِ من الغُرِّ الغَوادِي مَطيرهَا |
وليس بغلط لكراهةِ توالي تثنيتين مع أمن اللبس.
وقوله :« إنْ تَتُوبَا » فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب.
فصل في المراد بهذا الخطاب.
المراد بهذا الخطاب أُمَّا المؤمنين بنتا الشيخين الكريمين : عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - حثّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله ﷺ، ﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ﴾ أي : زاغت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله ﷺ من اجتناب جاريته واجتناب العسلِ، وكان ﷺ يحب العسل والنِّساء.
قال ابن زيد رضي الله عنه مالت قلوبكما بأن سرهما أن يحتبس عن أم ولده، فسرهما ما كرهه رسول الله ﷺ.
وقيل : فقد مالتْ قُلوبكُمَا إلى التوبة.
قوله :﴿ وَإِن تَظَاهَرَا ﴾.
أصله :« تَتَظاهَرَا » فأدغم، وهذه قراءة العامة.
وقرأ عكرمة :« تَتَظَاهَرَا » على الأصل.
والحسن وأبو رجاء، ونافع، وعاصم في رواية عنهما : بتشديد الظَّاء والهاء دون ألف، وكلها بمعنى المعاونةِ من الظهر؛ لأنه أقوى الأعضاء وأجلها.