« كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسْئُولٌ عن رعيَّتِهِ، فالإمامُ الَّذي على النَّاسِ راعٍ وهُوَ مَسْئُولٌ عَنهُمْ، والرَّجلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتهِ وهُوَ مسْئُولٌ عَنْهُمْ ».
قال الحسن في هذه الآية : يأمرهم، وينهاهم.
وقال بعض العلماء لما قال :« قُو أنفُسَكُمْ » : دخل فيه الأولاد؛ لأن الولد بعض منه كما دخلوا في قوله تعالى :﴿ وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ﴾ [ النور : ٦١ ]، وقوله - ﷺ - :« إنَّ أحلَّ مَا أكلَ الرَّجلُ من كسْبِهِ، وإنَّ ولدهُ مِنْ كسْبِهِ » فلم يفرد بالذّكر إفراد سائر القرابات، فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام.
وقال - ﷺ - :« حَقُّ الولدِ على الوالِدِ، أنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، ويُعلِّمهُ الكِتابَةَ، ويزَوِّجهُ إذا بلَغَ ».
وقال - ﷺ - :« مَا نَحَلَ والدٌ ولَداً أفْضَل مِنْ أدبٍ حسنٍ ».
وقال - ﷺ - :« مُرُوا أبْناءَكُمْ بالصَّلاة لسَبْعٍ؛ واضْربُوهُمْ على تَرْكِهَا لعشْرٍ، وفرِّقُوا بَيْنَهُم في المَضَاجِعِ ».
قال بعض العلماء : ويخبر أهله بوقت الصلاة، ووجوب الصيام.
وقال - ﷺ - :« رَحِمَ اللَّهُ امْرءاً قَامَ مِنْ اللَّيلِ يُصلِّي، فأيقظَ أهلَهُ، فإنْ لَمْ تَقُم رشَّ على وجهِهِا المَاءَ، ورحِمَ اللَّهُ امْرَأةً قَامَتْ في اللَّيْلِ تُصلِّي، وأيْقَظَتْ زوْجَهَا، فإنْ لم يَقُمْ رشَّتْ على وجْهِهِ المَاء ».
وذكر القشيريُّ قال :« فلما نزلت هذه الآية، قال رجلٌ : يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟.
فقال :» تنهونهم عما نهاكم الله، وتأمرونهم بما أمر الله « ».
وقال مقاتلٌ : ذلك حق عليه في نفسه، وولده، وأهله، وعبيده، وإمائه.
قال إلكيا : فعلينا تعليم أولادنا، وأهلينا الدين، والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب.
وهو قوله تعالى :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا ﴾ [ طه : ١٣٢ ]، وقوله للنبي ﷺ :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ١٤ ].
وتقدم الكلام على قوله :﴿ وَقُودُهَا الناس والحجارة ﴾ في « البقرة ».
فصل في مخاطبة الله تعالى للمؤمنين
قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنه - تعالى - خاطب المشركين في قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة ﴾ [ البقرة : ٢٤ ]، ثم قال :﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ فما معنى مخاطبته للمؤمنين بذلك؟.
فالجوابُ : أن الفساق، وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكُفَّار، فإنهم مع الكُفَّار في دار واحدة، فقيل للذين آمنوا :« قُوا أنفُسَكُمْ » باجتناب الفسوقِ ومجاورة الذين أعدت لهم هذه النار، ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقِّي عن الارتداد.
قوله :﴿ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ ﴾.
يعني الزَّبَانية، غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا، خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلقِ، كما حبب لبني آدم الطعام، والشراب « شِدادٌ »، أي : شداد الأبدان وقيل : غلاظ الأقوال شدادُ الأفعالِ.