قال القرطبي :« والأصل فيما يتركب من الراء والواو والحاء : الاهتزاز والحركة ».
وفي الصحاح :« والريحان نبات معروف، والرَّيْحَان : الرزق، تقول : خرجت أبتغي ريحان الله ».
وفي الحديث :« الولدُ مِنْ رَيْحانِ اللَّهِ ».
وقولهم : سُبْحَانَ اللَّهِ ورَيْحَانه « نصبوهما على المصدر، يريدون : تنزيهاً له واسترزاقاً.
قوله :﴿ والحب ذُو العصف والريحان ﴾ فالعَصْفُ : ساق الزرع، والرَّيْحَان : ورقه قاله الفراء.
قوله :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ١٣ ]، » فبأي « متعلق ب » تكذبان «.
والعامة على إضافة » أي « إلى » الآلاء «.
وقرىء في جميع السورة بتنوين » أيّ «.
وتخريجها : على أنه قطع » أيًّا « عن الإضافة إلى شيء مقدر، ثم أبدل منه » آلاء ربكما « بدل معرفة من نكرة، وتقدم الكلام في » الآلاء « ومفردها في الأعراف ».
والخطاب في « ربكما » قيل : للثقلين من الإنس والجن؛ لأن الأنام تضمنهما، وهو قول الجمهور، ويدل عليه حديث جابر.
وفيه :« للْجِنُّ أحْسَنُ مِنْكُم رَدًّا ».
وقيل : لما قال :﴿ خَلَقَ الإنسان، وَخَلَقَ الجآن ﴾ [ الرحمن : ١٤، ١٥ ]. دل ذلك على ما تقدم وما تأخر لهما.
وكذا قوله :﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان ﴾ [ الرحمن : ٣١ ] خطاب للإنس والجن.
وقال أيضاً :﴿ يامعشر الجن والإنس ﴾ [ الرحمن : ٣٣ ].
وقال الجرجاني : خاطب الجن مع الإنس، وإن لم يتقدم للجن ذكر. كقوله تعالى :﴿ حتى تَوَارَتْ بالحجاب ﴾ [ ص : ٣٢ ].
فقد سبق ذكر الجن فيما سبق نزوله من القرآن، والقرآن كالسورة الواحدة، فإذا ثبت أنهم مكلَّفُون كالإنس، خوطب الجنسان بهذه الآيات.
وقيل : الخطاب للذكر والأنثى.
وقيل : هو مثنّى مراد به الواحد، كقوله تعالى :﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ ﴾ [ ق : ٢٤ ].
وكقول الحجاج بن يوسف :« يا حرسي اضربا عنقه »، وكقول امرىء القيس :[ الطويل ]
٤٦٢٩- قِفَا نَبكِ.... | .................... |
٤٦٣٠- خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي.... | ................... |
وقيل : التكذيب يكون بالقلب، أو باللسان، أو بهما، فالمراد هما.
فصل في آلاء الله تعالى
قال ابن زيد : المراد بالآلاء : القدرة، والمعنى : فبأي قدرة ربكما تكذبان، وهو قول الكلبي.
واختار محمد بن علي الترمذي، وقال : هذه السورة من بين السور علم القرآن، والعلم : إمام الجند، والجند تتبعه، وإنما صارت علماً؛ لأنها سورة صفة الملك والقدرة، فقال :﴿ الرحمن عَلَّمَ القرآن ﴾ فافتتح السورة باسم الرحمن من بين الأسماء ليعلم العباد أن جميع ما يصفه بعد هذا من أفعاله ومن ملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة، فقال :﴿ الرحمن عَلَّمَ القرآن ﴾.
ثم ذكر الإنسان فقال :« خَلَقَ الإنسان » ثم ذكر ما صنع به، وما من عليه به، ثم ذكر حُسْبَان الشمس والقمر، وسجود الأشياء من نجم وشجر، وذكر رفع السماء، ووضع الميزان وهو العدل، ووضع الأرض للأنام، فخاطب هذين الثقلين : الإنس والجن، حين رأوا ما خرج من القدرة والملك برحمانيته التي رحمهم بها من غير منفعة، ولا حاجة إلى ذلك، فأشركوا به الأوثان، وكل معبود اتخذوه من دونه، وجحدوا الرحمة التي خرجت هذه الأشياء بها إليهم.