ثم ضرب اللَّهُ مثلاً للصَّالحات، من النِّساء، فقال :
﴿ ضَرَبَ الله مَثَلاً ﴾ إلى آخره، تقدم الكلام على « ضرب » مع « المَثَل »، وهل هو بمعنى « صير » أم لا؟ وكيف ينتصب ما بعدها في سورة « النحل ».
فصل في ضرب الله لهذا المثل
ضرب الله هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يغني أحد عن قريب، ولا نسب في الآخرة إذا فرق بينهما الدِّين، وكان اسم امرأة نوح « والهة »، وامرأة لوط « والغة »، قاله مقاتل.
وقال الضحاكُ عن عائشة - رضي الله عنها - : إن جبريل نزل على النبي ﷺ فأخبره أن اسم امرأة نوح « وَاغِلة » وامرأة لوط « والهة »، ﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ﴾ يعني نوحاً ولوطاً.
ويجوز أن يكون « امْرَأة نُوحٍ » بدلاً من قوله « مثلاً » على تقدير حذف المضاف، أي : ضرب الله مثلاً مثل امرأة نوح.
ويجوزأن يكونا مفعولين.
قوله :﴿ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ ﴾.
جملة مستأنفة كأنها مفسرة ل « ضَرْبِ المثلِ »، ولم يأت بضميرهما، فيقال : تحتهما أي : تحت نوح ولوط، لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشريفة، وليصفهما بأجَلّ الصِّفات، وهو الصَّلاح.
قوله :﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾.
قال عكرمة، والضحاك : بالكفر.
وقال سليمان بن رقية، عن ابن عباس : كانت امرأة تقول للناس : إنه مجنون وامرأة لوط كانت تخبر بأضيافه.
وعن ابن عباس : ما بَغَت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانا على غير دينهما.
قال القشيريُّ : وهذا إجماع من المفسرين إنما كانت خيانتهما في الدين، وكانتا مشركتين وقيل : كانتا منافقتين.
وقيل : خيانتهما النَّميمةُ إذا أوحى الله إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين، قاله الضحاك.
وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال.
قوله :﴿ فَلَمْ يُغْنِيَا ﴾.
العامة : بالياء من تحت، أي : لم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما شيئاً من الإغناء من عذاب الله.
وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا - بالتاء من فوق -، أي : فلم تُغْن المرأتان عن أنفسهما.
وفيها إشكال إذ يلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير المواضع المستثناة.
وجوابه : أن « عَنْ » هنا اسم كهي في قوله :[ الكامل ]
٤٧٩٠ - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ | ..................................... |
فصل في معنى الآية
معنى الآية : لم يدفع نوح، ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما لما عصيا شيئاً من عذاب اللَّه تنبيهاً بذلك على أنَّ العذاب يدفع بالطَّاعة، لا بالوسيلة.