وقيل : إن كفار مكة استهزءوا وقالوا : إنَّ محمداً يشفع لنا، فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار « مكة »، وإن كانوا أقرباء كما لا ينفع شفاعة نوح امرأته، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما له لكفرهما.
﴿ وَقِيلَ ادخلا النار مَعَ الداخلين ﴾ في الآخرة كما يقال لكفار مكة وغيرهم. قطع الله بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره، ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً.
قوله :﴿ وَضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ ﴾.
واسمها آسية بنت مزاحم.
قال يحيى بن سلام : قوله :﴿ ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ مثل ضربه الله يحذر به عائشة، وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا عليه ﷺ ثم ضرب الله لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة، والثبات على الدين.
وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، أي : لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون.
قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأةُ فرعون.
وقيل : هي عمة موسى آمنت به، فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة، فقالت :« ربِّ نَجِّنِي مِنْ فرعَونَ وعمله ». فرمى بروحها في الجنة، فوقعت الصخرة على جسد لا روح فيه.
وقال الحسنُ : رفعها تأكل في الجنة، وتشرب.
قال سلمان الفارسي : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة.
قوله :﴿ إذْ قَالَتْ رَبِّ ﴾.
منصوب ب « ضرب »، وإن تأخر ظهور الضرب.
ويجوز أن ينتصب بالمثل.
قوله :﴿ عِندَكَ ﴾.
يجوز تعلقه ب « ابْنِ »، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من « بَيْتاً » كان نعته فلما قدم نصب حالاً.
و ﴿ فِي الجنة ﴾.
إما متعلق ب « ابْنِ » وإما بمحذوف على أنه نعت ل « بَيْتاً ».
فصل في قصة امرأة فرعون.
قال المفسرون : لما كانت تعذب في الشمس، وأذاها حرّ الشمس ﴿ قَالَتْ : رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة ﴾ فوافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة، فقال فرعون : لا تَعْجبُوا من جُنُونهَا أنَا أعذِّبُها وهي تضحك، فقبض رُوحها.
وروي أنه وضع على ظهرها رحى فأطلعها اللَّهُ، حتى رأت مكانها في الجنَّة، وانتزع روحها، فألقيت عليها صخرة بعد خروج روحها فلم تجد ألماً.
وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة، فهي فيها تأكل، وتشرب، وتتنعم.
قوله :﴿ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾.
تعني بالعمل : الكفر.
وقيل :« من عمله »، أي : من عذابه وظلمه.
وقال ابن عباس : الجماع.