فصل في تفسير الآية
قال سعيد بن جبير ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ ﴾ يعني تنقطع، وينفصل بعضها من بعض.
وابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق من الغيظ من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى.
قوله :﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾. تقدم الكلام على « كُلَّمَا ». وهذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من ضمير جهنم.
والفَوْج : الجماعة من الناس، والأفْوَاج : الجماعات في تفرقة، ومنه قوله تعالى :﴿ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾ [ النبأ : ١٨ ] والمراد هنا بالفوج جماعة من الكفار ﴿ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾ وهم مالك، وأعوانه سؤال توبيخ وتقريع ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾، أي : رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم، حتى تحذروا.
قال الزَّجَّاج : وهذا التوبيخُ زيادة لهم في العذاب.
قوله :﴿ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ ﴾. فيه دليل على جواز الجميع بين حرف الجواب، ونفس الجملة المجاب بها إذ لو قالوا : بلى، لفهم المعنى، ولكنهم أظهروه تحسراً وزيادة في تغميمهم على تفريطهم في قبُول قول النذير؛ فعطفوا عليه :« فكَذَّبْنَا » إلى آخره.
قوله :﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾ ظاهره أنه من مقول الكفار للنذير، أي : قلنا :« مَا أنْزَلَ اللَّهُ من شَيءٍ » أي : على ألسنتكم إن أنتم يا معشر الرسل ﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾ اعترفوا بتكذيب الرسلِ، ثم اعترفوا بجهلهم، فقالوا وهم في النار :﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ ﴾ من النذر يعني : الرسل ما جاءوا به « أوْ نَعْقِلُ » عنهم.
وجوز الزمخشريُّ أن يكون من كلام الرُّسل للكفرةِ، وحكاه الكفرة للخزنةِ، أي : قالوا لنا هذا فلم نقبلهُ.
قال ابن الخطيب : يجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار، أي : لما قالوا ذلك الكلام قالت الخزنة لهم :﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ ﴾.
قوله :﴿ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير ﴾.
قال ابن الخطيب : احتجّ بهذه الآية من قال : إنَّ الدين لا يتم إلا بالتعليم؛ لأنه قدم السمع على العقل، فدل على أنه لا بد أولاً من إرشاد المرشد غلب عليه تأمل السامع فيما ندب العلم.
وأجيب : بأنه إنما قدم السمع؛ لأن الرسول إذا دعا، فأول المراتب أنه يسمع كلامه، ثم يتفكر فيه فلما كان السمع مقدماً على التعقل لا جرم قدم عليه في الذكر.
فصل فيمن فضل السمع على البصر
واحتج بهذه الآيةِ من قدم السمع على البصر، قالوا : لأنه جعل للسمع مدخلاً في الخلاص من النار، والفوز بالجنة، والبصر ليس كذلك، فوجب أن يكون السمع أفضل من البصر.
قوله « بِذنْبِهِمْ » وحَّده؛ لأنه مصدر في الأصل، ولم يقصد التنويع بخلاف « بِذُنُوبِهِم » في موضع؛ ولأنه في معنى الجمع؛ ولأن اسم الجنس إذا أضيف عم.