فصل في المراد بالضلال الكبير
قال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد من الضَّلال الكبير ما كانوا عليه في الدنيا من ضلالهم، ويحتمل أن يكون المراد بالضَّلال الهلاك، ويحتمل أن يكون قد سمى عقاب الضلال باسمه.
فصل في الرد على المرجئة
احتجت المرجئةُ بهذه الآية على أنه لا يدخل النارَ إلا الكفار قالوا : لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم قالوا : فكذبنا النذير، وهذا يدل على أن من لم يكذب الله ورسوله لا يلقى في النار، وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصرَّ لا يدخل النار، وأجاب القاضي عنه : بأن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة المخوفة، وكل من يدخل النار مخالف للدليل.
فصل في معرفة الله بعد ورود السمع
واحتج بهذه الآية من قال : إن معرفة الله، وشكره لا يجبان إلا بعد ورود السمع، قالوا : لأنه تعالى إنما عذبهم؛ لأنه أتاهم النذير، فدل على أنه لو لم يأتهم النذير لم يعذبوا.
قوله :﴿ فَسُحْقاً ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المفعول به، أي : ألزمهم الله سحقاً.
والثاني : أنه منصوب على المصدر، تقديره :« أسحقهم الله سحقاً » فناب المصدر عن عامله في الدعاء نحو « جَدْعاً له، وغفراً » فلا يجوز إظهار عامله.
واختلف النحاة : هل هو مصدر لفعل ثلاثي، أم لفعل رباعي، فجاء على حذف الزوائد.
فذهب الفارسي والزجاج إلى أنه مصدر « أسْحَقهُ اللَّهُ » أي : أبعده.
قال الفارسي : فكان القياس إسحاقاً، فجاء المصدر على الحذف، كقوله :[ الوافر ]
٤٧٩٩ -......................... | وإنْ يَهْلِكْ فذلِكَ كانَ قَدْرِي |
والظاهر أن لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه سمع « سَحَقَهُ اللَّهُ » ثلاثياً؛ ومنه قول الشاعر :[ الطويل ]
٤٨٠٠ - يَجُولُ بأطْرَافِ البِلادِ مُغَرِّباً | وتَسْحَقُهُ ريحُ الصَّبَا كُلَّ مَسْحَقِ |
وقرأ العامة : بضم وسكون.
والكسائي وآخرون : بضمتين.
وهما لغتان، والأحسن أن يكون المثقل أصلاً للمخفف، و « لأصْحابِ » بيان ك ﴿ هَيْتَ لَكَ ﴾ [ يوسف : ٢٣ ]، وسقياً لَكَ.
وقال مكيٌّ :« والرفع يجوز في الكلام على الابتداء ».
أي : لو قيل :« فسحق » جاز، لا على أنه تلاوة، بل من حيث الصناعة، إلاَّ أن ابن عطية قال ما يضعفه، فإنه قال :« فسحقاً، نصباً على جهة الدعاء عليهم، وجاز ذلك فيه وهو من قبل الله - تعالى - من حيث إن هذا القول فيهم مستقر أزلاً، ووجوده لم يقع ولا يقع إلا في الآخرة، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى فيه كما تقول : سُحْقاً لزيد، وبُعْداً له، والنصب في هذا كله بإضمار فعل، فأما ما وقع وثبت، فالوجه الرفع، كما قال تعالى ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ [ المطففين : ١ ] و ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٥٤ ]، وغير هذا من الأمثلة »، انتهى.
فضعف الرفع كما ترى؛ لأنه لم يقع، بل هو متوقع في الآخرة.
فصل
قال المفسِّرون :﴿ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير ﴾، أي : فَبُعْداً لهم من رحمة الله.
وقال سعيد بن جبير، وأبو صالح : هو واد في جهنَّم يقال له : السحق.