فصل
قال المفسرون :﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً ﴾ منكساً رأسه لا ينظر أمامه، ولا يمينه، ولا شماله، فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه ﴿ كَمنْ يَمْشي سويّاً ﴾ مُعتدِلاً ناظراً ما بين يديه، وعن يمينه وعن شماله.
قال ابن عباسٍ : هذا في الدنيا، ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى طريق، فلا يزال ينكسه على وجهه، وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدي له.
قال قتادةُ : هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا، يحشره الله يوم القيامة على وجهه.
وقال ابن عباس والكلبيُّ : عنى بالذي يمشي على وجهه أبا جهل، وبالذي يمشي سوياً رسول الله ﷺ.
وقيل : أبو بكر.
وقيل : حمزة.
وقيل : عمار بن ياسر.
قال عكرمة : وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن، أي : إن الكافر لا يدري أعلى حق هو، أم على باطل، أي : هذا الكافر أهدى، أم المسلم الذي يمشي سوياً معتدلاً يبصر الطريق، وهو على صراطٍ مستقيمٍ وهو الإسلام.
قوله ﴿ قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ ﴾. أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم أن الله خلقهم ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة ﴾ يعني القلوب.
قوله « قَلِيلاً ». نعت مصدر محذوف، أو حال من ضمير المصدر كما هو رأي سيبويه و « ما » مزيدة أي : تشكرون قليلاً، والجملة من « تَشْكُرون » إما مستأنفة، وهو الظاهر، وإما حال مقدرة؛ لأنهم حال الجعل غير شاكرين.
والمراد بالقلة العدم، أو حقيقتها، أي : لا تشكرون هذه النعم، ولا توحدون الله تعالى، تقول : قلَّما أفعلُ كذا، أي : لا أفعله.
قال ابن الخطيب : وذكر السمع والبصر والفؤاد هاهنا تنبيهاً على دقيقه لطيفة، كأنه تعالى قال : أعطيتم هذه الأعضاء الثلاثة مع ما فيها من القوى الشريفة، فضيعتموها ولم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ولا تأملتم في عاقبة ما عقلتموه، فكأنكم ضيعتم هذه النعم، وأفسدتم هذه المواهب، فلهذا قال :﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾.
قوله :﴿ قُلْ هُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
قال ابن الخطيب : اعلم أنه تعالى استدل بأحوال الحيوانِ أولاً، ثم بصفات الإنسانِ ثانياً، وهي السمع والبصر والعقل، ثم بحدوث ذاته ثالثاً، وهو قوله ﴿ قُلْ هُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض ﴾ واعلم أن الشروع في هذه الدلائل إنما كان لبيان صحة الحشر ليثبت ما ادعاه في قوله ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ولهذا ختم الآية بقوله ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ لأنه لما كانت القدرة على الخلق ابتداء توجب القدرة على الإعادة، فلهذا ختمها بقوله ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
فصل في معنى « ذرأكم »
قال ابن عباسٍ : خلقكم في الأرض.
وقال ابن بحر : نشركم فيها، وفرقكم فيها على ظهرها ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ فيجازي كلاًّ بعمله.